عند عروضهما ، بل أمر وجداني يدركه كلّ انسان عرضه بالوجدان ، كما أنّه يدرك عدم عروضه بالوجدان عند عروضهما ، فمن وجد طعم النوم وأدركه بوجدانه وجب عليه الوضوء.
ولأجل ذا كلّه فسّر الفقهاء النوم الّذي هو من نواقض الوضوء بأن يغلب النوم على الحاسّتين البصر والسمع ، وإنّما لم يعتبروا القلب نظرا إلى أنّ سلب الاختيار عن الاذن في زوال إحساسها وإدراكها يلازم سلب الاختيار عن القلب أيضا ، كما هو معلوم بالعيان.
نعم لا ملازمة بين زوال الحسّ عن العين وزواله عن الاذن والقلب ، لما يشاهد بالعيان الغنيّ عن البيان أيضا من أنّ العين يزول حسّها وإدراكها لا بمجرّد الغضّ والغمض بل بحيث لا يقدر الإنسان على حملها على شغلها لسلب الاختيار منه مع أنّ الاذن تسمع والقلب يدرك ، فالمناط في النوم صيرورة الحواسّ الثلاث بل الحاسّتين مغلوبة.
وقوله : « فإن حرّك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم به » (١) سؤال عن صلاحية عدم العلم بحركة ما حرّك ـ على معنى عدم كونه مشعورا به ـ لكونه أمارة لتحقّق النوم الّذي وصفه الإمام عند الشكّ في تحقّقة ، وإنّما دعاه إلى هذا السؤال حيث عرف من جواب السؤال الأوّل أنّ مناط النوم الناقض هو غلبة النوم على السامعة ، وكان من علامته عدم إحساس الصوت ، فيناسبه توهّم عدم سماع حركة المتحرّك إلى جنب من عرضه الخفقة والخفقتان علامة لتحقّقه.
وقوله عليهالسلام : « لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام ، حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن » (٢) يعنى به نفي صلاحية ما ذكر لكونه أمارة على النوم.
والسرّ فيه : أنّ عدم سماع الصوت والحركة إلى الجنب قد يكون لأجل سقوط الحاسّة عن الإدراك لغلبة النوم عليها ، وقد يكون لأجل عدم الالتفات إليه وتوجّه النفس إلى شاغل آخر ، فإنّ الإنسان الياقظ كثيرا مّا لا يستشعر الحركة والصوت لأجل ذلك ، إذ ( ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ )(٣) فيكون أعمّ ، والأعمّ لا يلازم الأخصّ ولا يدلّ عليه بشيء.
وقوله : « حتّى يستيقن » إلى آخره ، معناه : أنّ المدار في الحكم بتحقّق النوم وانتقاض الوضوء به على استيقانه ومجيء أمر بيّن واضح من ذلك ، وعدم سماع الحركة والصوت لكونه أعمّ أمر خفيّ لا يكشف عن تحقّقه ، فلا يحكم لأجله بانتقاض الوضوء ، سواء كان
__________________
(١ و ٢) الواسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ١.
(٣) الأحزاب : ٤.