النفي كان مفاده سلب العموم ، سواء ادّي بعبارة : « لم يقم كلّ إنسان » أو بعبارة : « كلّ إنسان لم يقم » وإن لوحظ إسناد الحكم السلبي إلى الماهيّة كإسناد عدم القيام إلى ماهيّة الإنسان ثمّ اورد عليه أداة العموم كان لعموم السلب ، سواء ادّي بعبارة : « كلّ إنسان لم يقم » أو بعبارة : « لم يقم كلّ إنسان » فلا بدّ لاستعلام كون هذا المثال ونظائره من القسم الأوّل أو القسم الثاني من مراجعة العرف والأخذ بفهم أهله ، لأنّه المحكّم في تشخيص مداليل الألفاظ مفردة ومركّبة ، والّذي يقوى في النظر كونه من باب القسم الثاني ، إذ المنساق المتبادر منه كون الملحوظ أوّلا عدم القيام ثمّ عروض العموم. وعليه فليس في قوله تعالى : ( لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ )(١) المحمول على عموم السلب خروج عن الظاهر ، فتأمّل.
وما نحن فيه أيضا من هذا القبيل ، فالملحوظ أوّلا هو عدم النقض المسند إلى ماهيّتي اليقين والشكّ ثمّ اعتبر عمومه بإيراد « اللام » الاستغراقي.
ولو سلّم عدم ظهور نوع هذا التركيب في عموم السلب فلا بدّ من حمل محلّ البحث عليه بقرينة العلّة المنصوصة ، ولذا لو قيل : « لا تأكل الرمّان لأنّه حامض » يفهم منه عرفا كون كلّ حامض مضرّا.
وقد يقرّر وجه الدلالة بإرجاع العلّة القائمة مقام الجواب المحذوف إلى كونه استدلالا منه عليهالسلام على الجواب المحذوف بالقياس بطريق الشكل الأوّل ، الّذي صغراه قوله : « إنّه على يقين من وضوئه وقوله عليهالسلام : « ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ » بصيغة المعلوم بمنزلة الكبرى الكلّية فيشمل الوضوء وغيره ، نظرا إلى تعيّن حمل « اللام » في اليقين والشكّ على الاستغراق من جهة اشتراط كليّة الكبرى في الشكل الأوّل ، ويؤكّده قوله : « أبدا » وهذا ينهض قرينة على جعله لعموم السلب وصرفه عن سلب العموم ، وإن كان النفي فيه واردا على العامّ.
وفيه نظر من وجهين :
الأوّل : عدم صلاحية قوله : « لا ينقض اليقين بالشكّ » كبرى في قياس صغراه « الرجل على يقين من وضوئه » لعدم تكرّر الأوسط الّذي هو في الشكل الأوّل عبارة عن كون الحدّ الوسط محمولا في الصغرى وموضوعا في الكبرى.
ومن الواضح تغاير محمول الصغرى وموضوع الكبرى ، إلاّ على تأويل بعيد بجعل قوله : « ولا ينقض اليقين بالشكّ » خبرا لمبتدأ محذوف ، وقرينة حذفه كونه مذكورا في
__________________
(١) الحديد : ٢٣.