مراد القائل بحجّية الاستصحاب في الامور الخارجيّة دعوى حجّيته في الموضوعات الّتي لا يترتّب عليها حكم شرعي أصلا أو لا يبتلى بها المكلّف الناظر في الاستصحاب ، بل الموضوعات الّتي ينشأ منها الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالمكلّف ، كرطوبة ثوبه الّتي يترتّب عليها النجاسة بملاقاة النجس ، وكرّيّة الماء الّتي يترتّب عليها عدم انفعاله بملاقاة النجاسة ، وحياة الغائب الّتي يترتّب عليها حرمة تزويج امرأته وحرمة التصرّف في أمواله وما أشبه ذلك.
وأمّا ثالثا : فلأنّ الموضوع الخارجي كما أنّ بيانه ليس من وظيفة المعصوم فكذلك الحكم الجزئي للموضوع الخارجي أيضا ليس بيانه من وظيفته ، فكما أنّ رطوبة الثوب أو يبوسته من حيث إنّه موضوع خارجي بيانها ليس من وظيفته ، فكذلك نجاسته الحاصلة بالملاقاة لأجل الرطوبة وطهارتها الباقية لأجل اليبوسة من حيث إنّها حكم جزئي ليس بيانها من وظيفته ، بل وظيفته بيان حكم كلّي لموضوع كلّي ، كأن يقول : كلّ طاهر ملاق للنجس نجس مثلا.
وقضيّة ذلك أن يبعد كون مرادهم بقولهم : « لا تنقض اليقين بالشكّ » (١) بيان للحكم لمثل هذه الأحكام الجزئيّة أيضا.
وأمّا رابعا : فلأنّ الخارج عن وظيفته إنّما هو بيان الأحكام الجزئيّة للموضوعات الصرفة الخارجيّة المأخوذة بوصف الجزئيّة ، وأمّا الحكم الكلّي المجعول لها باعتبار وصف الاشتباه العارض لها فبيانه ليس إلاّ وظيفة الشارع ، فلو اشتبه مايع بين كونه طاهرا كالخلّ أو نجسا كالخمر مثلا فبيان أنّه خلّ أو خمر ليس من وظيفته ، ولكن بيان أنّ الحكم الكلّي فيه من حيث الاشتباه هو الطهارة ليس إلاّ من وظيفته. فلذا ورد في الخبر المستفيض : « أنّ كلّ شيء نظيف حتّى يعلم أنّه قذر (٢) ». ولو اشتبه ماء قليل بين ملاقاة النجاسة المنجّسة له وعدمها فبيان الملاقاة أو عدمها ليس من وظيفته ، غير أنّ بيان أنّ الحكم الكلّي له باعتبار وصف الاشتباه هو الطهارة من وظيفته. ولذا ورد في الخبر المتلقّى بالقبول : « أنّ كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر (٣) ». ولو اشتبه شيء بين الحلّ والحرمة لدورانه بين الملك والسرقة أو الغصب مثلا فبيانه أنّه أيّهما ليس من وظيفته. وأمّا بيان أنّ حكمه الكلّي باعتبار الاشتباه هو الحلّ فمن وظيفته لا غير. ولذا ورد في الخبر المعمول به : « أنّ كلّ شيء لك
__________________
(١) تقدّم آنفا.
(٢) الوسائل ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.
(٣) الوسائل ٢ : ١٠٩٥ ، الباب ٧٤ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.