الدقيق والتحقيق راجعة إلى أنّه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة وحدوث نقيضها فيه.
ومن المعلوم أنّه إذا تبدّل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين ، فالّذي سمّوه استصحابا راجع في الحقيقة إلى إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر متّحد معه في الذات مختلف معه في الصفات.
ومن المعلوم عند الحكيم أنّ هذا المعنى غير معتبر شرعا وأنّ القاعدة الشريفة المذكورة غير شاملة له.
وتارة : بأنّ استصحاب الحكم وكذا الأصل ـ أي الحالة الّتي إذا خلّي الشيء ونفسه كان عليها ـ إنّما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما ، وقد ظهر في محلّ النزاع لتواتر الأخبار بأنّ كلّما يحتاج إليه الامّة ورد فيه خطاب وحكم حتّى أرش الخدش ، وكثير ممّا ورد مخزون عند أهل الذكر عليهمالسلام فعلم أنّه ورد في محلّ النزاع أحكام لا نعلمها بعينها ، وتواتر الأخبار بحصر المسائل في ثلاث : بيّن رشده ، وبيّن غيّه ـ أي مقطوع فيه ذلك لا ريب فيه ـ وما ليس هذا ولا ذاك ، وبوجوب التوقّف في الثالث (١) » انتهى.
ومحصّل هذا الكلام : أنّه استدلّ لنفي حجّيّة الاستصحاب في أحكام الله تعالى بوجهين ، مرجعهما إلى دعوى فقد المقتضي ووجود المانع.
أمّا الأوّل : فلأنّ الظاهر والمتبادر من قوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين بالشكّ (٢) » اتّحاد متعلّق اليقين والشكّ ، بأن يكون القضيّة المشكوكة بعينها هي القضيّة المتيقّنة من دون اختلاف بينهما إلاّ في الزمان ، على معنى اجتماع الوحدات ـ الّتي منها وحدة الموضوع ـ إلاّ وحدة الزمان.
وهذا المعنى حاصل في مثل رطوبة الثوب أو طهارته مثلا بعد اليقين بهما ثمّ الشكّ في بقائهما ، بخلاف نحو نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال التغيّر ، وجواز مضيّ المتيمّم في الصلاة بعد وجدان الماء ، لتعدّد موضوعي القضيّتين واختلافهما بكونه في القضيّة المتيقّنة هو الماء المتغيّر والفاقد للماء ، وفي القضيّة المشكوكة هو الماء الغير المتغيّر والواجد للماء ، فيكون النهي عن نقض اليقين بالشكّ الوارد في الأخبار شاملا للأوّل دون الثاني. وهذا هو معنى قوله : « وأنّ القاعدة الشريفة غير شاملة له ».
ويرد عليه حينئذ : أنّه إن أراد بما ذكره أنّ في استصحاب الحكم الشرعي قد يختلف
__________________
(١) الفوائد المكّيّة ( مخطوط ) : الورقة ١٠٣.
(٢) الوسائل ٥ : ٣٢١ الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٣.