وإن كان مع زوال الاعتقاد وتبدّله بالشكّ ، فلا يتصوّر ذلك إلاّ مع سريان كما هو واضح.
فمرجع الكلام إلى وجوب تحصيل الاعتقاد ثانيا ، ولا حاجة لإثباته إلى الاستصحاب لوجود عين الدليل الأوّل من برهان عقلي أو نقل قطعي قاض بوجوب تحصيل الاعتقاد في المعارف ، وهذا يغني عن التشبّث بالاستصحاب.
وإن اريد إعماله في المرتبة الثانية.
ففيه : عدم معقوليّة الشكّ في الاعتقاد بقاء وارتفاعا لكونه أمرا قلبيّا ومعنى وجدانيّا ، فكلّ من بقائه وارتفاعه بعد مراجعة الوجدان معلوم لا يقبل التشكيك فلا يقبل الاستصحاب. وبذلك يعلم عدم صحّته في الآثار المعلّقة على الاعتقاد لوجوب ترتّبها مع بقائه واستحالة استصحابها مع زواله ، لاشتراطه ببقاء موضوع المستصحب.
وإن اريد إعماله في المرتبة الثالثة ـ أعني المعتقد ـ ففيه : أنّ المعتقدات في المعارف على قسمين :
أحدهما : ما كان مبناه بطبعه ولذاته على الدوام بحيث لا يقبل الزوال والانعدام ، كوجود الصانع ، ووجوب وجوده وقدمه وعلمه وقدرته وعدله ووحدانيّته وسائر صفاته الذاتيّة ، وهذا ممّا لا يعقل فيه الاستصحاب لعدم قبوله التشكيك.
وثانيهما : ما كان مبناه على الانقطاع كالنبوّة الخاصّة ، فإن اريد من استصحابها استصحاب نفس النبوّة من حيث إنّها صفة خاصّة ثابتة في النبيّ كموسى وعيسى وغيرهما فهي أيضا ممّا لا يمكن استصحابها ، لأنّها صفة قائمة بموصوفها وتابعة للذات غير منفكّة عنها حيّا وميّتا ، فلا بدّ من إرجاع استصحابها إلى الشريعة الّتي أتى بها النبيّ ، وهي قابلة للشكّ في البقاء بعد اليقين بالثبوت في وقت ، وقضيّة ذلك أن يصحّ استصحابها. وهذا هو الاستصحاب الّذي تمسّك به بعض أهل الكتاب عند مناظرته لبعض أفاضل السادة (١) قصدا إلى إفحامه في عدوله عن شرع موسى أو عيسى إلى دين محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولقد اجيب عنه بوجوه غير ناهضة بردّه ودفع متمسّكه :
__________________
(١) هو السيّد باقر القزويني على ما نقله الآشتيانى في بحر الفوائد ٣ : ١٥٠ ـ عن المصنّف وقيل : إنّه السيّد حسين القزويني. وقيل : إنّه السيّد محسن الكاظمي. وفي أوثق الوسائل (٥١٦) عن رسالة لبعض تلامذة العلاّمة بحر العلوم : أنّ المناظرة جرت بين السيّد بحر العلوم وبين عالم يهودي حين سافر إلى زيارة أبي عبد الله ٧ في بلد ذي الكفل ، وكانت محلّ تجمّع اليهود آنذاك ، كما أنّه يحتمل تعدّد الواقعة.