أحدها : ما حكي (١) عن السيّد المناظر له من أنّا نؤمن ونقرّ بنبوّة كلّ موسى أو عيسى أقرّ بنبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم وكافر بنبوّة كلّ من لم يقرّ بذلك ، والظاهر أنّه أخذ ذلك ممّا ورد من مولانا الرضا عليهالسلام في جواب الجاثليق (٢).
وردّ : بأنّه بظاهره مخدوش بما عن الكتابي من أنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم شخص واحد وجزئي حقيقي اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوّته ، ونحن نقول : إنّ نبوّته باقية بحكم الاستصحاب وعلى المسلمين نسخها ، ولا يذهب عليك أنّ هذا لا يرد على جواب الإمام عن الجاثليق كما يظهر وجهه بالتأمّل وسنبيّنه إن شاء الله أيضا.
وثانيها : ما حكي عن الفاضل النراقي في المناهج (٣) من أنّ استصحاب النبوّة معارض باستصحاب عدمها الثابت قبل حدوث أصل النبوّة. وهذا منه مبنيّ على ما تقدّم منه من الأصل الفاسد وهو أنّ الحكم الشرعي الموجود في زمان يقتصر فيه على القدر المتيقّن ، وبعده يتعارض استصحاب وجوده واستصحاب عدمه ، وقد تقدّم منّا ما أفسده بما لا مزيد عليه.
وثالثها : ما ذكره في القوانين (٤) ممّا ملخّصه : الفرق بين النبوّة المطلقة ومطلق النبوّة ، والّذي يصحّ استصحابه هو النبوّة المطلقة وهي المعرّاة عن قيدي الدوام وخلافها بأن تكون مغيّاة بغاية معيّنة ، والثابت لموسى أو عيسى إنّما هو مطلق النبوّة وهي المردّدة بين المقيّدتين والمطلقة ، والاستصحاب لا يجري في مثله.
ومرجعه إلى منع جريان الاستصحاب في الكلّي المردّد بين امور مختلفة في استعداد البقاء ومقداره وعدم استعداد البقاء ، ومبنيّ ذلك المنع على أصله الّذي قرّره أوّلا ، ومحصّله : أنّ الاستصحاب مشروط بمعرفة استعداد المستصحب ، فلا يجوز استصحاب حياة الحيوان المردّد بين حيوانين مختلفين في الاستعداد بعد انقضاء مدّة استعداد أقلّهما استعدادا. وهذا عند التأمّل أضعف من سابقيه.
فأوّل ما يرد عليه : أنّه لا يشترط في الاستصحاب ـ على ما حقّقناه ـ إحراز استعداد المستصحب ولا إحراز مقدار استعداده للبقاء ، بل يجري الاستصحاب في كلّ محتمل البقاء علم استعداده للبقاء في الجملة أو لا ، علم مقدار استعداده وكان الشكّ في الرافع أولا ، وهو قدسسره أيضا اختار إطلاق القول بحجّيته سواء كان الشكّ المأخوذ باعتبار المقتضي أو
__________________
(١) حكاه عنه في القوانين ٢ : ٧٠.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٥٧ ، الاحتجاج ٢ : ٢٠٢.
(٣) مناهج الأحكام : ٢٣٧.
(٤) القوانين ٢ : ٧٠.