الاستصحاب ، فلا وجه لإطلاق القول به في الأحكام.
ولو اعتذر بوجود الفارق ـ وهو الغلبة ـ بين الأحكام والنبوّات كما ينساق ذلك من تضاعيف كلامه ، بدعوى : أنّ الغالب في الأحكام المطلقات الّتي أراد فيها الشارع استمرارها ولو من مجرّد الوجود فيظنّ البقاء في محلّ الشكّ لأجل هذه الغلبة ، والغالب في النبوّات النبوّة المغيّاة بغاية معيّنة فلا يظنّ البقاء في مورد الشكّ لأجل هذه الغلبة.
لدفعه ـ مع ما يرد على دعوى الإطلاق من الترديد المتقدّم ـ : أنّ غلبة الإطلاق في الأحكام لا ينفي ندرة وجود المفهوم المردّد ، كما أنّ غلبة المغيّاة في النبوّات لا ينافي كون الفرد النادر هو المطلق لا المفهوم المردّد ، ولا يعيّن كون ذلك المطلق هو غير محلّ الاستدلال بالاستصحاب ، ولا يقضي بكون محلّ الاستدلال ـ أعني نبوّة موسى أو عيسى ـ من المفهوم المردّد لينهض ما ذكر في الجواب ردّا على المستدلّ ، فالأولى أن يجاب عنه بوجوه اخر غير ما ذكروه :
الأوّل : أنّه إن أراد من التمسّك بالاستصحاب إقامة الدليل الإقناعي لنفسه من دون قصد إلى إلزام الخصم.
فيرد عليه : أنّ الاستصحاب من الاصول الّتي يشترط في العمل بها الفحص عن الدليل ، والمفروض أنّ الفحص في اصول الدين ممكن بل متيسّر لانفتاح باب العلم فيها بحكم الضرورة والعقل المستقلّ ، القاضي بلزوم التكليف بغير المقدور من التكليف فيها بالعلم لو لا انفتاح بابه بوجود الطرق العلميّة ، مع قطع النظر عن الإجماع ونصوص القرآن الواردة في وعيد الكفّار وتعذيبهم وخلودهم في النار ، الكاشفة عن تمكّنهم من العلم وتقصيرهم في تحصيله ، وتمسّكه بالاستصحاب حينئذ إمّا أن يكون قبل الفحص فغير معتبر ، وإن كان بعد الفحص بما هو حقّه وعلى الوجه الّذي ينوط به إتمام حجّة الله تعالى على خلقه وبه ينقطع العذر فغير جار ، لكون الفحص على الوجه المذكور مؤديّا إلى العلم بأحد الطرفين لا محالة ، ومع العلم لا معنى للاستصحاب.
وإن أراد منه إلزام الخصم على بطلان دينه ، أو على حقّيّة دين المستدّل.
فيرد عليه : أنّ الاستصحاب الملزم للخصم ما يحرزه الخصم ، وهو موقوف على إحراز شروطه الّتي منها اليقين السابق والشكّ اللاحق ، واليقين بثبوت نبوّة موسى أو عيسى في زمانهما وإن كان حاصلا للمسلمين إلاّ أنّ الشكّ في بقائهما وارتفاعهما في زمان