محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم منتف بالنسبة إليهم لأنّه أمر وجداني وليس في أنفسهم شكّ في نسخ هذه النبوّة بنبوّة نبيّهم ، وشكّ الكتابي إن كان لا يصلح موضوعا لاستصحاب المسلم [ فالاستصحاب الّذي توهّمه الكتابي وفرضه من عند نفسه لا ينهض لإلزام المسلم على بطلان دينه ولا على حقّيّة دين الكتابي ، هذا ](١).
وبالتأمّل فيما ذكرناه يندفع ما لو أراد الكتابي بيان أنّ مدّعي ارتفاع الشريعة السابقة ونسخها يطالب بإقامة الدليل ، فإنّ مدّعي بقائها في نحو المسألة أيضا يفتقر إلى إقامة الدليل ، ولو استند إلى الاستصحاب عاد عليه البحث السابق.
وإن اعتذر بأنّي ناف للنبوّة الجديدة الّتي يثبته المسلمون ، وليس على النافي دليل بل المثبت مطالب بإقامة الدليل.
ففيه : أنّ دعوى النفي ودعوى الإثبات سيّان في احتياجهما إلى الدليل ، لأنّ النفي عبارة عن نفي مدّعي المثبت فيكون محتاجا إلى الدليل.
نعم ما يقال : من أنّ المانع يكفيه المنع ولا يكلّف بالإثبات ، بل الإثبات من وظيفة المستدلّ حقّ لا سترة عليه ، إلاّ أنّه ممّا لا يرتبط بالمقام لوضوح الفرق بين النافي والمانع ، فإنّ المانع من يمنع الاستدلال بمنع أحد مقدّمات دليل المستدلّ لا بعينه وهو النقض الإجمالي ، أو منع مقدّمة معيّنة أو كلّ واحد من مقدّمات الدليل وهو النقض التفصيلي ، بخلاف النافي فإنّه لا يتعرّض لدليل المستدلّ أصلا بل ينفي مدّعى المثبت ، ونفي مدّعاه دعوى منه وهي كدعوى الإثبات لا تسمع إلاّ بدليل.
فلو قيل : إنّه يكفي في دليله الأصل.
لدفعناه : بقضيّة اشتراط اعتباره بالفحص.
كما أنّه لو قيل : بأنّه قد يكتفى في دليل النفي بعدم الدليل على الإثبات ، كما يقال : أنّ عدم الدليل دليل العدم ، وهذا أصل مسلّم في الجملة ويعوّل عليه في كثير من المقامات.
لدفعه : أنّه كذلك ولكنّه بعد الفحص لا مطلقا ، فإذا انجرّ الكلام إلى الفحص وجودا أو عدما عاد الكلام السابق.
الثاني : أنّ الاستصحاب المتمسّك به لا بدّ له من مدرك ، فإن كان الأخبار فالتعويل
__________________
(١) سقط ما بين المعقوفتين من قلمه الشريف في التعليقة ، وإنّما أوردناها من حاشيته على القوانين تتميما للمرام ، ( راجع حاشية القوانين : ١١٠ )