لتضمّنه كلفة مراعاة اعتبار زائد لا حاجة إلى مراعاته في إعمال القاعدة والأصل.
وتوضيح ذلك : أنّ الاستصحاب لا يتمّ إلاّ بامور ثلاث : سبق اليقين بالاشتغال ، ولحوق الشكّ في بقائه ، وانسحاب الاشتغال من زمن اليقين إلى زمان الشكّ ليترتّب عليه لزوم القطع بالبراءة ، واستصحاب أيضا لا يتمّ إلاّ بسبق اليقين بالبراءة ولحوق الشكّ في بقائها ، وانسحاب البراءة السابقة في زمان الشكّ ليحكم بها فيه ، بخلاف قاعدة الاشتغال وأصالة البراءة.
فإنّ الاولى لا تتضمّن إلاّ اليقين بالاشتغال والشكّ في البراءة ، ولا حاجة في الحكم بلزوم القطع بالبراءة إلى تجشّم إثبات انسحاب الاشتغال من الزمان السابق إلى الزمان اللاحق ، وذلك لأنّ الحكم المذكور حكم عقليّ يتأتّى من العقل إرشادا للمكلّف إلى طريق دفع الضرر الاخروي المحتمل ، وهو العقاب الّذي يخاف ترتّبه على ما احتمل من بقاء المكلّف به في الذمّة ، ويكفي فيه مجرّد عدم العلم بالبراءة بعد اليقين بالاشتغال ، ولا حاجة إلى ترتيبه على الاشتغال المستصحب الّذي يحرز بالاستصحاب.
ولذا يقال : إنّ اليقين بالاشتغال يقتضي يقين البراءة ، ولا يقال : إنّ الاشتغال بعد ثبوته بالاستصحاب يقتضي لزوم القطع بالبراءة ، فإنّ من الأشياء ما هو من لوازم عدم شيء فلا يترتّب عليه إلاّ بعد إحرازه بالوجدان أو بالاستصحاب ، ومنها ما هو من لوازم عدم العلم بالشيء فيترتّب عليه لمجرّد الشكّ في وجوده ولا حاجة إلى إحراز عدمه بواسطة طريق آخر والمقام من هذا الباب.
وهذا نظير ما أوردناه في محلّه ردّا على من تمسّك لعدم حجّيّة الظنّ بأصالة عدم الحجّيّة من أنّه لا حاجة في الحكم بعدم الحجّيّة إلى الأصل ، لما في عدم العلم بالحجّيّة من الكفاية في الحكم بعد الحجّيّة.
والثانية (١) لا تتضمّن إلاّ الشكّ في الاشتغال الّذي يعبّر عنه بالشكّ في التكليف ، ولا حاجة إلى تجشّم إحراز اليقين بالبراءة ثمّ انسحاب البراءة من زمان اليقين إلى زمان الشكّ ، ضرورة أنّ البراءة في مواردها ما يحكم به العقل لمجرّد عدم العلم بالتكليف تعويلا على قبح التكليف بلا بيان ، وقبح العقاب بلا إقامة البرهان ، بل العقل لمجرّد عدم العلم بالاشتغال يحكم بها وإن لم يكن هناك حالة سابقة.
__________________
(١) عطف على قوله : « فإنّ الأولى » الخ ، والمراد بالثانية هنا أصالة البراءة كما لا يخفى.