إلى استصحابه.
ومن هنا يعلم طريق منع جريان الاستصحاب في الأحكام العقليّة ممّا يستقلّ العقل بادراك حسنه أو قبحه كقبح الظلم الملزوم لحرمته شرعا ، وحسن ردّ الوديعة الملزوم للوجوب شرعا ، فلا يعقل الاستصحاب في ذلك الحكم العقلي ولا ما يلزمه من الحكم الشرعي.
وتوضيحه : أنّ موضوع القضيّة العقليّة على حسبما لاحظه العقل وأحاط بجميع جهاته إن كان باقيا فلا يعقل الشكّ في بقاء حكمه ، وإن كان مرتفعا فلا يعقل الشكّ في ارتفاع حكمه ، ولو تطرّق إليه الاشتباه فإن كان الاشتباه للشكّ في وجود وصف وجودي مأخوذ في موضوع حكم العقل في ذلك الموضوع المشتبه ، كشخص من الكذب إذا شكّ في كونه ضارّا أو نافعا فلا يعقل الاستصحاب من جهته أيضا ، لا في الكلّيين ولا في المصداق المردّد بينهما.
أمّا في الأوّل فلانتفاء الشكّ ، وأمّا في الثاني : فلانتفاء الحالة السابقة.
وإن كان الاشتباه للشكّ في زوال وصف عنه بعد تحقّقه فيه ممّا هو مناط حكم العقل ـ كالسمّ المحكوم بقبح شربه عقلا سابقا باعتبار كونه ضارّا مهلكا إذا شكّ لطول مدّة بقائه في زوال هذه الخاصيّة عنه ـ فلا يعقل استصحاب قبحه أيضا ، لأنّ العقل الحاكم بقبحه في زمان وجود الوصف حاضر موجود ونراه أنّه لا يحكم فيه بالقبح ، والاستصحاب عبارة عن انسحاب الحكم المحتمل بقاؤه في لحاظ الحاكم به ، فإذا قطع أنّ الحاكم بالحكم الأوّل لا يحكم به في الزمان الثاني لم يصحّ استصحاب حكمه ، لعدم الشكّ في عدم بقائه.
إلاّ أن يقال : إنّ المقطوع بانتفائه في نحو الصورة المفروضة إنّما هو ادراك القبح وهو المراد من حكم العقل ، وهو لا يلازم ارتفاع القبح الواقعي الّذي هو عبارة عن كون الشيء بحيث يستحقّ فاعله الذمّ ، فيستصحب ذلك القبح الواقعي المتيقّن ثبوته المشكوك بقاؤه.
وبعبارة اخرى : أنّ محلّ الاستصحاب ليس هو ادراك العقل حتّى يستند في منع استصحابه إلى القطع بعدم بقائه ، بل مدرك العقل الّذي لا ينوط ثبوته وعدم ثبوته في الواقع بادراك العقل ، وهو قابل للاستصحاب للزومه ما اعتبر في الاستصحاب من سبق اليقين ولحوق الشكّ.
وفيه : أنّ ما يستقلّ العقل بادراكه لا يشكّ في بقائه وارتفاعه ، بل بقاؤه وارتفاعه تابع لبقاء موضوعه وارتفاعه ، فالمشكوك في المقام إنّما هو بقاء موضوع حكم العقل