الساري أصلا ، لمكان التنافي بينهما فيما اتّحد متعلّقهما حدوثا ، فإذا آل الشكّ في الزمان الثاني إلى حدوث المتيقّن في الزمان السابق استحال معه بقاء اليقين بحدوثه ، وقضيّة ذلك أن لا يجري في مورده قاعدة الاستصحاب. وهل هنا قاعدة اخرى مفادها كون الشكّ المفروض الحادث بعد تيقّن الشيء المتعلّق بحدوثه وتحقّقه في الزمان السابق ملغى في نظر الشارع ، كما أنّ الشكّ في بقائه بعد تيقّن حدوثه ملغى في نظره بمقتضى أدلّة الاستصحاب أو لا؟
فعلى الأوّل كان ما ذكر قاعدة اخرى مغايرة لقاعدة الاستصحاب يرجع إليها في موارد الشكّ الساري. فقد يتوهّم ثبوت هذه القاعدة أيضا كالاستصحاب من أخبار الاستصحاب ، بدعوى : عدم اختصاص مدلولها بالشكّ في البقاء بل المنساق منها أنّ الشكّ بعد اليقين ملغى مطلقا ، سواء تعلّق بنفس ما تيقّنه سابقا أم ببقائه. ويظهر هذا التوهّم من المحقّق السبزواري فيما حكي عنه في الذخيرة في مسألة من شكّ في بعض أفعال الوضوء ، حيث قال : « والتحقيق أنّه إن فرغ من الوضوء متيقّنا للإكمال ثمّ عرض له الشكّ فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء لصحيحة زرارة ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ (١) ».
وحكى بعض مشايخنا دعوى شمول الأخبار للقاعدتين عن غير واحد من معاصريه قال : « وإن اختلفوا بين مدّع لانصرافها إلى خصوص الاستصحاب ، وبين منكر له عامل بعمومه » وقال قبيل ذلك : « ولعلّه نشأ هذا التوهّم لهؤلاء من كلام الحلّي في السرائر حيث استدلّ على المسألة المذكورة بأنّه لا يخرج عن حال الطهارة إلاّ على يقين من كمالها وليس ينقض الشكّ اليقين ».
ثمّ دفعه بأنّ هذا التعبير من الحلّي لا يلزم أن يكون استفاده من أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ.
ثمّ قال : « ويقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء ، لكنّ التعبير لا يلازم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين (٢) » انتهى.
أقول : الإنصاف منع استفادة القاعدتين معا من هذه الأخبار ، أمّا أوّلا : فلا ستلزامه استعمال اللفظ في معنيين ، فإنّ مرجع كون الشكّ ملغى في مورديهما إلى البناء في إحداهما على حدوث ما تيقّنه سابقا في الزمان الأوّل وفي اخراهما على بقاء ما تيقّنه سابقا في
__________________
(١) الذخيرة : ٤٤.
(٢) فرائد الاصول ٣ : ٣٠٣ ـ ٤٠٤.