الزمان الثاني.
ولا ريب أنّ الحدوث في الزمان الأوّل والبقاء في الزمان الثاني أمران متغايران لا يمكن اجتماعهما في محلّ واحد ، ولا جامع بينهما فلا يجوز اجتماعهما في الإرادة من لفظ « لا ينقض » في إطلاق واحد.
إلاّ أن يقال : إنّ نقض اليقين بالشكّ عبارة عن رفع اليد عن المتيقّن سابقا بالبناء على عدم حدوثه أو عدم بقائه ، فالمطلوب بالنهي إنّما هو عدم رفع اليد عمّا تيقّنه ، وهو قدر جامع بين البناء على حدوثه والبناء على بقائه كلّ في محلّه المبتلى به ، وقد اريد من اللفظ فلا يلزم محذور الاستعمال في معنيين.
فالأولى أن نقول ـ في وجه عدم إمكان الجمع بين القاعدتين في الإرادة من اللفظ : إنّ فرض شموله لهما يؤدّي إلى التناقض في مدلول اللفظ ، لأنّ ما رجع الشكّ إلى حدوثه سابقا يلازم تيقّن عدم حدوثه قبل ذلك الزمان المشكوك في حدوثه فيه ، وشموله للاستصحاب يعطي البناء على بقاء ما تيقّنه سابقا سواء كان أمرا وجوديّا أو أمرا عدميّا ، ومن الأمر العدمي عدم حدوث ما شكّ في حدوثه قبل الزمان المشكوك في حدوثه فيه ، والاستصحاب يقتضي البناء على عدم حدوثه ، ففرض شموله للقاعدتين يقضي فيه بالبناء على حدوثه والبناء على عدم حدوثه وهما نقيضان ، فليتدبّر.
وأمّا ثانيا : فلمنع شمول الأخبار للقاعدتين معا ، بل هي ظاهرة في خصوص الاستصحاب.
أمّا أوّلا : فلظهور اليقين والشكّ في قوله عليهالسلام : « لا تنقض اليقين أبدا بالشكّ (١) » ونحوه في الفعليّين منهما ، وهذا يختصّ بما يشكّ في بقائه ، إذ لا يقين فعلا فيما شكّ في حدوثه.
وأمّا ثانيا : فلشهادة موارد أكثر هذه الأخبار من حيث عدم انطباقها إلاّ على الشكّ في البقاء ، كما لا يخفى على من لاحظها بكونها مسوقة لإعطاء قاعدة الاستصحاب لا غير ، وليس هذا من تخصيص العامّ بالمورد ، إذ لا دلالة للفظ العامّ على العموم بالنظر إلى القاعدتين ليكون الخروج عنه بمقتضي خصوص المورد تخصيصا له ، بل هو من تحصيل العامّ بالمورد.
وأمّا ثالثا : فلأنّ المنساق من قوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين بالشكّ (٢) » عرفا ـ على ما بيّنّاه مرارا ـ إفادة أنّ المعتبر في ترتيب أحكام الشيء عليه إنّما هو اليقين بوجوده ولا يعتبر معه
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١.
(٢) نفس الهامش السابق.