لا يمكن اثباته في حقّ آخرين لتغاير الموضوع ، فإنّ ما ثبت في حقّهم مثله لا نفسه ، ولذا يتمسّك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين إلى الغائبين أو المعدومين بالإجماع والأخبار الدالّة على الشركة لا بالاستصحاب.
وفي الثالثة للأصل اللفظي الّذي يرجع إليه أصالة عدم النسخ ، فتسمية ذلك بالاستصحاب كما في كلام الأخباريّين سهو.
هذا كلّه بالنسبة إلى هذه الشريعة. وأمّا لو علم بنصّ الكتاب أو بالسنّة المتواترة ثبوت حكم في شرع من الشرائع السالفة مثل قوله تعالى في شأن يحيى : انّه كان ( سَيِّداً وَحَصُوراً )(١) وهو الّذي يحبس نفسه عن النساء ، أو المبالغ في حصر النفس عن الشهوات والملاهي ، فهل يثبت هذا الحكم في حقّنا أيضا أو لا؟ فيه قولان حكاهما في تمهيد القواعد (٢) ومستند المثبتين أنّ عدم علم الناسخ كاف في استصحاب بقائه فهو حجّة مطّردة.
وردّه بعض الأعلام : « بأنّه مبنيّ على القول بكون حسن الأشياء ذاتيّا وهو ممنوع ومناف للقول بالنسخ ، بل التحقيق أنّه بالوجوه والاعتبارات وإن كنّا لا نمنع الذاتيّة في بعض الأشياء ، لكن إعمال الاستصحاب لا يمكن إلاّ مع قابليّة المحلّ » انتهى (٣).
ويدفعه : أنّ الاستصحاب يجري حيث يجوز النسخ ، ولا يجوز النسخ إلاّ فيما كان قابلا للارتفاع ، وهو الّذي يجري فيه الاستصحاب أيضا سواء كان تابعا للحسن الذاتي أو بالوجوه والاعتبارات.
إلاّ أن يقال : إنّ مورد النسخ ما يكون حسنه بالوجوه والاعتبارات وإن كان الوجه والاعتبار من جهة خصوصيّة زمان الحكم ، وهذا على تقدير احتمال مدخليّة خصوصيّة في الزمان كما في محلّ البحث لا يجري فيه الاستصحاب ، لأنّ من شروطه قابليّة المحلّ للبقاء بأن لا يكون مردّدا بين مقدارين من الزمان أقلّ وأكثر ، إذ على هذا التقدير قابليّته للبقاء بعد انقضاء أقلّ الزمانين غير محرز فلا يجري معه الاستصحاب.
ويدفعه : أنّ مرجع ذلك إلى منع حجّيّة الاستصحاب مع الشكّ في المقتضي مطلقا أو في بعض صوره ، ولقد زيّفناه سابقا بإثبات حجّيّته مطلقا.
ولو أورد هنا أيضا بمثل ما تقدّم من أنّ الحكم الثابت في حقّ جماعة لا يمكن إثباته في حقّ آخرين بالاستصحاب لتغاير الموضوعين.
__________________
(١) آل عمران : ٣٢.
(٢) تمهيد القواعد ٢٣٩ ـ ٢٤١.
(٣) القوانين ١ : ٤٩٥.