لدفعه : فرض عدم مدخليّة خصوص مكلّف دون مكلّف في الحكم على وجه يعطي الموضوعيّة لجماعة دون آخرين.
نعم يمكن المناقشة في الاستصحاب المذكور بوجوه اخر :
الأوّل : أنّ استصحاب الحكم الثابت في شريعة عيسى أو موسى مثلا لا يفيد ثبوته في هذه الشريعة على وجه يجب علينا متابعته ، لجواز أن يكون لخصوص المبلّغ مدخليّة في الحكم الّذي يجب متابعته.
فنقول : إنّ الحكم لا بدّ له من مبلّغ وهو النبيّ ، ونحن نطلب أحكاما بلّغها نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، والحكم المذكور ليس ممّا بلّغه نبيّنا صلىاللهعليهوآله فليس علينا متابعته ، بل لا يجوز ذلك.
ويمكن دفعه : بمنع مدخليّة خصوص المبلّغ في الحكم على وجه يكون جزء لموضوعه ، بل إنّما يعتبر المبلّغ في الأحكام الّتي يجب متابعتها على وجه الطريقيّة ، فالمدار في الإطاعة والمعصية ووجوب المتابعة على انكشاف الأحكام الإلهيّة بأيّ طريق كان ، وإن كان الطريق الغالب فيه بتبليغ النبيّ ، فالّذي يجب علينا بالنسبة إلى النبيّ إنّما هو الإيمان بنبوّته وبما أتى به من الله سبحانه من الشرائع والأحكام ، وهذا هو معنى وجوب التديّن بدين سيّد المرسلين والالتزام به ، وهذا لا ينافي وجوب متابعة حكم إلهي انكشف من غير جهة تبليغه ، كما لو رأى في المنام حكما على وجه قطع بكونه حكما إلهيّا.
ولا ينافيه الحكاية الواقعة فيما بين أفلاطون الحكيم وعيسى النبيّ حيث إنّه دعاه إلى الإيمان به فلمّا نظر أفلاطون في أحكام شرعه وجدها بمقتضى قواعد حكمته حقّا مطابقا للواقع فصدّق بكونه نبيّا مبعوثا من الله سبحانه ، وكون ما أتى به من الشرع من الله ، إلاّ أنّه قال له : « أنت نبيّ في حقّ غيري لا في حقّي » اعتذارا بعدم احتياجه في معرفة الأحكام الإلهيّة ، وقد حكم بكفره وخلوده في النار ، لأنّ كفره وخلوده في النار ـ بعد تسليم صحّة الحكاية ـ إنّما هو لعدم إيمانه بنبوّة نبيّ زمانه أو عدم تديّنه بما آمن ، حيث قال له : « أنت نبيّ في حقّ غيري لا في حقّي » لا لاتّباعه أحكاما من غير جهة تبليغ نبيّ زمانه.
مع أنّ أخذ الحكم المذكور بطريق [ الاستصحاب ] لا ينافي كون المستصحب ممّا بلّغه نبيّنا أيضا.
غاية الأمر أنّه لم يبلّغ إلينا كسائر الأحكام المجهولة الّتي جهالتها لنا لعدم بلوغ بيانها الينا ، مع أنّ وصوله إلينا بطريق الاستصحاب أيضا ينتهي بالأخرة إلى التبليغ ، لأنّ