الاستصحاب أيضا ممّا بلّغه النبيّ.
الثاني : ما اشتهر من أنّ هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع ، فلا يجوز الحكم ببقاء أحكام الشريعة السابقة ليترتّب عليه وجوب متابعته.
ويمكن دفعه : بأنّه إن اريد كونها ناسخة لكلّ حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع ، وإن اريد بكونها ناسخة لبعضها بل أكثرها فهو لا ينافي بقاء بعضها ولو انكشف بقاؤه بطريق الاستصحاب ، فالمتيقّن من المنسوخ ما علم بالدليل ويبقى غيره على ما كان بحكم الاستصحاب.
نعم يمكن أن يقال : إنّا نعلم قطعا بنسخ كثير من الأحكام السابقة ، والمعلوم تفصيلا من هذه المنسوخات قليل جدّا ، فيعلم وجود منسوخ بين الأحكام المشكوك في نسخها إجمالا ، وهذا العلم الإجمالي مانع من العمل بالاستصحاب في هذه الأحكام ، لكونها من باب الشبهة المحصورة الواجب اجتنابها لوجود العلم الإجمالي.
ولكن يدفعه أوّلا : منع وجود العلم الإجمالي بوجود المنسوخ فيما بين الأحكام المشكوكة ، لأنّها في الكثرة ليست بحيث يستلزم عادة حصول العلم الإجمالي ، بل ليست إلاّ قليلة فلا تستلزمه عادة.
وثانيا : أنّه على فرض وجوده معارض بالعلم الإجمالي بوجود حكم لم ينسخ فيما بين الأحكام المشكوكة ، لأنّ ما لم ينسخ من الأحكام السابقة أيضا غير معلوم تفصيلا ، فبين الشبهات ما يحرم متابعته وما يجب متابعته وهما معلومان بالإجمال.
وقضيّة ذلك عدم وجوب اجتناب الجميع ولا وجوب ارتكاب الجميع ، حذرا عن المخالفة القطعيّة في التقديرين ، فلا مانع من العمل بالاستصحاب في البعض.
وثالثا : أنّ العلم الإجمالي ما لم يلزم مخالفته القطعيّة العمليّة لم يؤثّر في منع ارتكاب أطرافه ، وغاية ما يلزم من العمل بالاستصحاب في جميع الأحكام المشكوكة إنّما هو المخالفة الالتزاميّة ، وهو الالتزام بكون المستصحب في الجميع حكما إلهيّا مع أنّ منه ما يكون في الواقع منسوخا ، وإنّما يلزم المخالفة العمليّة بسبب استلزام العمل ترك الواجب أو فعل الحرام الفعليّين اللذين توجّه الخطاب بهما فعلا إلى المكلّف فيما لو كان المعلوم نسخه بالإجمال ما عدا الوجوب والحرمة من الأحكام الخمس مع كونه منسوخا في هذه الشريعة بأحدهما ، وليس كذلك إذ المعلوم بالإجمال مردّد بين جميع الأحكام الخمس ، كما أنّ الناسخ في