هذه الشريعة على تقدير كون المنسوخ ما عدا الوجوب والحرمة يحتمل كونه ما عداهما أيضا ، بأن نسخت الإباحة بالاستصحاب أو بالعكس أو بالكراهة أو بالعكس والاستصحاب بالكراهة أو بالعكس ، فلا يحصل القطع بالمخالفة العمليّة للعلم الإجمالي أصلا ، فلا مانع من العمل بالاستصحاب في جميع الوقائع المشكوكة من جهة العلم الإجمالي.
ويمكن المناقشة في القول بجواز متابعة حكم الشريعة السابقة تمسّكا بالاستصحاب من جهة اخرى ، وهي أنّ العمل بالاستصحاب في نحو المقام لكونه من الشبهات الحكميّة مشروط بالفحص عن الدليل في أدلّة هذه الشريعة. وبعد الفحص عن دليل هذا الحكم الثابت في الشريعة السابقة المشكوك ثبوته في هذه الشريعة فإمّا أن يوجد عليه دليل أو لا؟
وعلى الأوّل يتعيّن العمل بذلك الدليل وافق مؤدّاه لمقتضي الاستصحاب أو خالفه ، ولا حاجة إلى التمسّك بالاستصحاب حينئذ بل لا معنى له. وعلى الثاني فإمّا أن يكون الحكم المبحوث عنه إباحة بالمعنى الأعمّ من الاستصحاب والكراهة مع احتمال نسخه بالوجوب أو الحرمة ، أو غيرها من الوجوب أو الحرمة؟
فعلى الأوّل يبنى على أصلي البراءة والإباحة لرجوع الشكّ فيه إليه في التكليف من هذه الشريعة والأصل مع عدم العلم الإجمالي هو البراءة وعدم استحقاق العقوبة على المخالفة ، ولا حاجة معه أيضا إلى التمسّك بالاستصحاب. وعلى الثاني فالمرجع فيه أيضا إلى أصل العدم لا إلى استصحاب حكم الشريعة السابقة ، وذلك لما علم بالضرورة والأخبار المتواترة من أنّ نبيّنا صلىاللهعليهوآله لم يقصّر ولم يهمل في تبليغ شيء من أحكام شريعته ، وما علم من طريقته من عدم حوالة امّته في شيء من الأحكام إلى شريعة اخرى ، وأمّا الوقائع المجهولة أحكامها فليست ممّا لم يبلّغ أحكامها إلى امّته بل بلّغها وبيّنها ، ولكنّها لم تصل إلينا لمانع.
وحينئذ نقول : إنّ الأصل في الحكم التكليفي الوجوبي أو التحريمي الّذي لم يصل بيانه إلينا عدمه ، أي عدم جعل الشارع إيّاه حكما في شريعته ، وعموم الاستصحاب وإن كان ممّا بيّنه النبيّ صلىاللهعليهوآله أيضا إلاّ أنّ الأصل المذكور مع ما عرفت من الأخبار على تبليغه بجميع أحكام شريعته واستقرار طريقته على عدم إيكال امّته إلى الشرائع السابقة مع الأخبار الدالّة على أنّ كلّ ما حجب علمه عنّا فهو موضوع عنّا ، كاشفا (١) عن نسخ هذا الحكم في
__________________
(١) كذا في الأصل ، ولعلّ الصواب : كاشف.