ليحصل بهما رفع الدرجات واستحقاق المثوبات الاخرويّة ، وإن كان الفعل معه خلوا عن سائر المصالح والخواصّ ، ولا نعني من الاستحباب الشرعي إلاّ هذا المعنى.
وإن شئت إثبات الكراهة الشرعيّة أيضا بهذه الطريقة فعمّم المقال بالقياس إلى ترك كلّ ما احتمل كون تركه مطلوبا للمولى ، فإنّ هذا الترك أيضا حيثما حصل بداعي احتمال المطلوبيّة فالعقل مستقلّ بإدراك حسنه واستحقاق فاعله المدح والصلة ، ويكشف ذلك عن محبوبيّة ذلك الترك للمولى ، وإن لم يكن تركه من حيث هو ولا على هذا الوجه محبوبا له ، ولا نعني من الكراهة إلاّ هذا المعنى.
ولا فرق في احتمال المطلوبيّة المأخوذ في عنوان هذين القسمين بين احتمال الطلب الحتمي أو غيره ، فالاستحباب يثبت بحكم العقل في كلّ ما احتمل كونه واجبا أو مندوبا من قبل المولى ولم يقم على وجوبه أو ندبه دليل معتبر. والكراهة أيضا تثبت بحكم العقل في كلّ ما احتمل كونه حراما أو مكروها من قبله ولم يقم على حرمته أو كراهته دليل معتبر ، فمناط حكم العقل إنّما هو قيام احتمال المطلوبيّة من غير فرق بين كونه مستندا إلى خبر ضعيف أو فتوى فقيه أو غيرهما من الأسباب الغير المعتبرة ، ومرجع ما بيّنّاه إلى إثبات الحسن المستتبع للاستحباب الشرعي للفعل المأتيّ به بداعي احتمال المطلوبيّة ، ويتأكّد ذلك من جهة الأولويّة فيما دار الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب ، فإنّ المطلوبيّة فيه محقّقة لا محالة والفعل راجح البتّة ، فالإتيان به بداعي المطلوبيّة المحقّقة أولى بالحسن والمحبوبيّة الغير البالغ حدّ مبغوضيّة الترك.
وحيث ظهر أنّ موضوع الاستحباب الثابت بهذه الطريقة هو الفعل المحتمل للمطلوبيّة المأتيّ به لداعي احتمال المطلوبيّة ، علم أنّ الاستحباب لا يثبت لهذا الفعل من حيث هو ، ولا المأتي به لا لداعي احتمال المطلوبيّة.
وربّما يشكل الحال من جهة كون موضوع الاستحباب هو الفعل المأخوذ على الوجه المذكور في مقام الإفتاء ، لعدم جواز الحكم باستحباب الفعل بقول مطلق ، بأن يقال مثلا : « يستحبّ غسل الجمعة » واريد به الاستحباب الثابت بالطريقة ، المذكورة لأنّه إفتاء بالحكم الشرعي في غير موضوعه ، فلابدّ في صحّة هذا الإفتاء من التنبيه على موضوع الحكم أيضا بأن يقال : « غسل الجمعة ـ مثلا ـ ما احتمل كونه مطلوبا للشارع ، ويستحبّ فعل ما احتمل كونه مطلوبا له لداعي احتمال المطلوبيّة ، فيستحب غسل الجمعة لداعي احتمال المطلوبيّة ».