ولعلّ نحو هذا البيان غير معهود من المفتين في فتاويهم ، فإمّا أن يقال : بأن نحو هذا الاستحباب ممّا لا أصل له عندهم ، أو يقال : إنّ بيان موضوعه على الوجه المذكور غير لازم ، بل يجوز الاقتصار فيه على ذكر الفعل من دون التعرّض بما أخذ فيه من احتمال المطلوبيّة وكون الداعي إلى فعله احتمال المطلوبيّة.
والأوّل أظهر ، لتطرّق المنع إلى إثبات حسن الفعل بالبيان المذكور ، فإنّ استحقاق الآتي بما احتمل المطلوبيّة بداعي هذا الاحتمال عند العقل للمدح بل الثواب أيضا وإن كان مسلّما ، إلاّ أنّه لا يكشف عن حسن الفعل المأتيّ به على هذا الوجه إلاّ إذا كان استحقاقه لهما لإتيانه وهو غير واضح ، بل الظاهر أنّه يستحقّهما لكيفيّة إتيانه وهو كونه بداعي احتمال المطلوبيّة ، فإنّه ممّا يكشف عن وصف نفساني ممدوح من حسن نيّة وطيب سريرة ، ومرجعه فيما بين العبد والمولى إلى الانقياد بالمعنى المتقدّم ، وهو كون العبد مع مولاه في مقام الإطاعة ، فمرجع الحسن المذكور أيضا إلى الفاعل لا من حيث فعله بل من حيث وصفه الحسن ، وقد عرفت أنّه لا يكفي في ثبوت الاستحباب للفعل.
بل الإنصاف : أيضا أنّ إثبات الاستحباب بالطريق الثالث وهو التمسّك بروايات بلوغ الثواب مشكل لقصورها عن إفادة ذلك ، فإنّ غاية ما يستفاد منها أنّ من عمل عملا بلغ فيه ثواب طلبا لذلك الثواب حصل له ذلك الثواب ، وهذا ممّا لا قضاء له بكون ذلك على وجه الاستحقاق ، ولا بترتّبه على العمل ليكشف عن رجحانه عند الله سبحانه ومطلوبيّته له ، ولو لمجرّد كون الإتيان به مقرونا بطلب الثواب ، لجواز كونه من جهة أنّه نوى الخير ، أو أمل الثواب ممّن لا يخيّب أمله ، أو أنّه لا يضيّع عمل عامل ، أو نحو ذلك.
وتوهّم أنّ التعبير عن الاستحباب بالثواب كثير شائع في أخبار أهل البيت عليهمالسلام ، كما أنّ التعبير عن الوجوب بالعقاب على الترك وعن الحرمة بالعقاب على الفعل كثير شائع في أخبارهم ، بل أكثر المستحبّات ثبت استحبابها بوعد الثواب من دون تصريح بالاستحباب ، نظرا إلى أنّ الثواب من آثار الاستحباب ومعلولات الفعل المستحبّ ، فيستدلّ به عليه استدلالا إنّيّا فكذا فيما نحن فيه. وإن شئت قلت : إنّ الاخبار بحصول الثواب كناية عن الاستحباب.
يدفعه : أنّه إنّما يتمّ فيما لو دلّ النصّ على ترتّب الثواب على الفعل ، كما لو قيل ـ مثلا ـ : « من عمل كذا فله من الأجر والثواب كذا وكذا » وليس كذلك الأمر فيما نحن فيه ، لظهور الأخبار المذكورة في ترتّب الثواب على رجائه والتماسه المقرون بالفعل ، لا على