فروعه رسالة على حدة (١) والظاهر أنّ اعتباره من حيث الأصل التعبّدي المكتفى فيه بمطلق احتمال الصحّة ولو مرجوحا ، وحيث إنّ دليله أخصّ من دليل الاستصحاب المأخوذ فيه ذلك الاحتمال أيضا ، فوجه تقديمه عليه إنّما هو تخصيص دليله ورفع اليد عن عمومه في موارد ذلك الأصل.
وربّما احتمل كون هذا الأصل من جملة الظواهر نظرا إلى أنّ الظاهر من حال المسلم هو الإتيان بالعمل الصحيح لا الفاسد فيظنّ الصحّة من هذه الجهة ، وتقديمه على الاستصحاب على هذا التقدير أيضا واضح ، ولكنّه حكومة لا تخصيصا.
وليعلم أنّه ليس المراد بالاستصحاب المقابل لأصالة الصحّة هو استصحاب الفساد ، لأنّه حيثما كان جاريا باعتبار كون حالته السابقة هو الفساد لا معنى لتقديم أصالة الصحّة عليه ، لأنّه قائم مقام العلم بالفساد ، ومن المعلوم أنّه لا مجرى لأصالة الصحّة مع العلم بالفساد أو ما يقوم مقامه. بل المراد به الاستصحاب الموضوعي المقتضي للفساد ، كأصالة عدم البلوغ فيما لو اختلف الضامن والمضمون له فادّعى الضامن كونه صبيّا حال الضمان ، وفيما لو اختلف المتبايعان في صحّة بيع لعدم بلوغ البايع أو المشتري أو كليهما ، وفيما لو اختلفا في الصحّة بادّعاء مدّعي الفساد عدم اعتبار المبيع بالوزن فيما كان من جنس الموزون أو بالكيل في المكيل ، أو للاختلاف في الرؤية فيما اعتبر فيه الرؤية والمشاهدة ، وقاعدة المزيل والمزال ، وتقديم الأصل السببي على الأصل المسبّبي. ومن ذلك تقديم الاستصحاب الموضوعي على الأصل الحكمي ، وتقديم الاستصحاب في الأمثلة المذكورة ونظائرها على أصالة الصحّة لكون الشكّ في الصحّة مسبّبا عن الشكّ في الموضوع ، ولعلّه لذا اضطربت كلمات جماعة من المتأخّرين في أمثال الفروع المذكورة بين متوقّف ومقدّم للاستصحاب الموضوعي.
وظاهر الجمهور تقديم أصالة الصحّة على معارضه وهو الأظهر ، لكون أدلّته أخصّ من دليل الاستصحاب.
والعجب من الشهيد أنّه في مسألة اختلاف الضامن والمضمون له بنى على تقديم قول مدّعي الفساد بادّعاء عدم البلوغ لأصالة براءة ذمّته عمّا ضمنه ، ولعلّه توهّم تعارض استصحاب عدم البلوغ وأصالة الصحّة وتساقطهما فيرجع إلى أصالة البراءة.
__________________
(١) المسمّاة ب « رسالة في حمل فعل المسلم على الصحّة » المطبوعة مع رسالة العدالة بقم المشرّفة سنة ١٤١٩ ه. ق.