سائر الاصول فكلّ مورد لم يعمل الأصحاب بعموم دليل القرعة فيعمل فيه بالأصل الجاري فيه لعين ما عرفت ، وكلّ مورد عمل فيه الأصحاب أو جماعة بالقرعة دون الأصل الموجود فيه تعيّن تقديم القرعة فيه على الأصل كائنا ما كان ، لورود دليل القرعة حينئذ على أدلّة الاصول الثلاث لو كان مدركها العقل ، لوضوح أنّ العقل إنّما يحكم بالبراءة أو الاشتغال أو التخيير من حيث عدم البيان والقرعة المعتبرة بيان. وأمّا على تقدير الاستناد في هذه الاصول إلى النقل فالظاهر أنّ وجه تقديمها حينئذ حكومة دليلها على أدلّة هذه الاصول كما هو واضح.
المسألة الرابعة : في مقابلة الاستصحاب لغيره من الاصول العملية كالبراءة والاشتغال والتخيير ، حيث كان للمورد حالة سابقة تخالف مؤدّى هذه الاصول في شبهة حكميّة ـ كالعصير إذا ذهب ثلثاه بغير النار بعد صيرورته حراما بالغليان ، وكالحائض بعد الطهر وقبل الاغتسال بالقياس إلى حرمة الوطء ـ أو شبهة موضوعيّة كالعصير إذا شكّ في ذهاب ثلثيه ، والحائض إذا شكّ في انقطاع طمثه في باطن الفرج بعد انقطاعه في ظاهره ، إلى غير ذلك من الأمثلة الّتي يقدر المتدرّب على استخراجها ، والأصل في هذا الباب هو تقديم الاستصحاب على ما يقابله مطلقا إلاّ في بعض الصور على ما تعرفه.
والوجه في ذلك : أنّ المأخوذ في مورد أصل البراءة الشكّ في التكليف الناشئ عن عدم البيان واستصحاب الحالة السابقة من وجوب أو حرمة بيان لا يقبح معه العقاب على المخالفة.
وفي مورد أصل الاشتغال الشكّ في براءة الذمّة بدون الاحتياط والاستصحاب علم شرعي بها ، كاستصحاب وجوب الإتمام مثلا في بعض صور توقّف اليقين بها على الجمع بينه وبين القصر كما في المسير إلى ما يشكّ في بلوغه المسافة.
وفي مورد أصالة التخيير التحيّر كالتحيّر بين الإمساك والإفطار في يوم يشكّ كونه آخر رمضان أو أوّل شوّال واستصحاب بقاء رمضان أو عدم دخول شوّال رافع لهذا التحيّر ، فلا مورد مع جريانه لشيء من الاصول الثلاث ، والاستصحاب وارد على الجميع ، ومرجعه إلى أنّ الاستصحاب مزيل وغيره مزال.
ومن البيّن في تعارض الأصلين تقدّم المزيل على المزال.
وإن شئت قلت : إنّ الشكّ في بقاء الحالة السابقة المأخوذة في الاستصحاب سبب للشكّ المأخوذ في مجاري هذه الاصول ، وستعرف في تعارض الاستصحابين أنّ الشكّ السببي مقدّم على الشكّ المسبّبي.
وضابط الجميع هو الورود ، ومن ذلك يعرف أنّه قد يتقدّم أصل البراءة على