شيء الكلّ الاعتباري ، لا الكلّي الحقيقي المنقسم إلى النوعين ، وقد عرفت أنّه خلاف الظاهر المتبادر من اللفظ بحسب متفاهم العرف ، كما لا يخفى على العارف بمتفاهمات العرف.
وأمّا الإجماع : فعلى ما تقدّم من إمكان تقريره تارة : بإجماع العلماء كافّة حتّى الأخبارييّن على أنّ الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو ولا من حيث إنّه مجهول الحكم هو البراءة ، وعدم العقاب والمؤاخذة على الفعل.
واخرى : بالإجماع على أنّ الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو هو البراءة ، وجواز الارتكاب وعدم وجوب الاحتياط ولا غيره.
وهذا أيضا يمكن تقريره تارة : بالإجماع المحصّل من ملاحظة فتاوى الفقهاء في المسائل الفرعيّة.
واخرى : بالإجماعات المنقولة في كلام الأصحاب الّتي منها ما تقدّم عن الصدوق من قوله : « اعتقادنا أنّ الأشياء على الإباحة حتّى يرد النهي (١) » وربّما يظهر منه في تعبيره بمثل هذه العبارة كونه من دين الإماميّة.
وثالثة : بالإجماع العملي ـ المعبّر عنه بالسيرة المعلومة ـ من تناول أهل الشرع كافّة قديما وحديثا للمأكولات والمشروبات وغيرها ممّا يندرج في العناوين المحتملة للتحريم الغير المنصوص على تحريمها بالخصوص من بعد الفحص من غير نكير ولا تشنيع من أحد ، فإنّه ممّا يكشف عن أنّ المركوز في أذهان أهل الشرع بل وسائر الشرائع كون الإباحة وجواز الارتكاب وعدم وجوب شيء من الاحتياط ولا الوقف هو الأصل في الأشياء ، بحيث لا يحتاج ذلك إلى دليل ، وإنّما المحتاج إليه هو التحريم خصوصا أو عموما ، وهذه هي الطريقة المستقيمة المستمرّة من زمان صاحب الشريعة إلى يومنا هذا الكاشفة عن كونها من الاصول المتلقّاة منه صلوات الله عليه ، وهذا هو معنى كلام المحقّق ـ على ما حكي ـ « من أنّ أهل الشرائع كافّة لا يخطئون من بادر إلى تناول شيء من المشتبهات ، سواء علم الإذن فيها من الشرع أم لم يعلم ، ولا يوجبون عليه عند تناول شيء من المأكول أن يعلم التنصيص على إباحته ، ويعذّرونه في كثير من المحرّمات إذا تناولها من غير علم ولو كانت محظورة لأسرعوا إلى تخطئته حتّى يعلم الإذن » (٢) انتهى.
لكن يشكل هذا التقرير : بمنع كون العمل المذكور من أهل الشرع كاشفا عن كونه
__________________
(١) الاعتقادات ، للصدوق ـ المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ٥ : ١١٤.
(٢) المعارج : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.