العقاب على الفعل مع الحرمة واقعا ولا على الترك مع الوجوب واقعا ، فهذا أحد الأمرين ممّا وجب تحصيله على المكلّف لتحصيل اليقين بالبراءة على معنى خلوّ ذمّته عن التكليف الإلزامي ، حسبما اعتبره المستدلّ في تقرير الدليل.
وثالثا : أنّ الضابط في إعمال أصل الاشتغال بعد العلم بأصل الاشتغال إنّما هو الشكّ في المكلّف به الّذي لا يؤول إلى الشكّ في أصل التكليف ، وبعد إخراج المحرّمات المعلومة أو المظنونة كان الشكّ في الباقي شكّا في أصل التكليف فيرجع فيه إلى أصل البراءة ، ولا مجرى معه لأصل الاشتغال ، لعدم بقاء احتمال الاشتغال بعد الحكم بالبراءة ، على معنى خلوّ ذمّة المكلّف عن التكليف المشكوك فيه ، وإن احتملت الواقعة من حيث هي للحكم الإلزامي المجعول لها في الواقع.
وثانيهما : كون الأصل في الأفعال الغير الضروريّة الحظر ، كما عليه طائفة من الإماميّة ، فيعمل به حتّى يثبت من الشرع الإباحة ، والمفروض فيما لا نصّ فيه عدم ورود الإباحة فيه بالخصوص ، وأمّا الإباحة بالعموم على تقدير تسليم دلالة ما ورد فيه فهو معارض بما ورد من الأمر بالوقف أو الاحتياط ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل.
وعن الشيخ الاحتجاج عليه في العدّة « بأنّ الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالاءقدام على ما يعلم فيه المفسدة (١) ».
ومحصّله : كون الإقدام على ما احتمل فيه الضرر حراما باعتبار كون دفع الضرر المحتمل واجبا ، وقد تقدّم في تضاعيف الدليل العقلي على أصل البراءة في الشبهة الوجوبيّة نسبة الجزم بذلك عن السيّد أبي المكارم في الغنية (٢).
وجوابه : فساد تفريع ما نحن فيه على مسألة الحظر والإباحة ، ثمّ منع الأصل ، ثمّ منع مدركه المشار إليه.
أمّا الأوّل : فبناء على ما استظهرناه في مقدّمات المسألة المشار إليها من كلمات القولين بالإباحة والحظر من إرادة الإباحة والحظر الواقعيّين ، والكلام فيما نحن فيه إنّما هو في استعلام الحكم الظاهري بعد الوقف في الحكم الواقعي المردّد بين الحرمة وغير الوجوب.
وأمّا الثاني : فلما حقّقناه ثمّة من أنّ الحقّ مع المبيحين إن أرادوا بالإباحة مجرّد عدم الحرج في الفعل ، لتطرّق المنع إلى حكم العقل بالحظر خصوصا الحظر الواقعي.
__________________
(١) العدة ٢ : ٧٤٢.
(٢) الغنية ٢ : ٣٦٣.