أنّ الملازمة مع العلم بوجود الفرد المخالف للأفراد الغالبة في الحكم بل وكثرته محال.
وقد يوجّه أيضا : بأنّ الحلّ في قوله تعالى : ( قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ )(١) المفيد للحصر على الطيّب ، فكلّ ما شكّ في كونه طيّبا فالأصل عدم إحلال الشارع له.
وعورض بأنّ التحريم في القرآن معلّق على الخبائث والفواحش ، فإذا شكّ فيه فالأصل عدم التحريم ، ومع تعارض الأصلين يرجع إلى أصالة الإباحة وعموم قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ )(٢) وقوله عليهالسلام : « ليس الحرام إلاّ ما حرّم الله (٣) ».
أقول : « الطيّب » و « الخبيث » ليس فيهما حقيقة شرعيّة ، فيحملان على ما ينساق منهما عرفا ، والخبيث ما يستقذره الطبع والطيّب مقابله ، وقد يكون هذا الحيوان ممّا يستقذره الطبع ، مع أنّ مبنى الأشكال في الحلّيّة والحرمة هاهنا ليس على كونه ممّا يستقذره الطبع أو لا ، وإلاّ عاد الشبهة إلى شبهة الموضوع والأصل فيها الإباحة اتّفاقا.
وقد يوجّه أيضا : بأصالة عدم التذكية من جهة الشكّ في قبوله لها.
ودفع : بأنّ الأصل في الحيوان ـ على ما قرّر في محلّه ـ قبول التذكية.
ويرد عليه أيضا : أنّ قبول التذكية ووقوعها لا يلازم الحلّية ، ضرورة عدم استلزام الأعمّ للأخصّ ، فليس مبنى الأصل المذكور على ما ذكر.
وبالجملة ليس مبنى الشبهة على أنّه يقبل التذكية أو لا ، بل على حرمة لحمه لذاته وعدمها ، ولذا لو فرضنا قبوله التذكية كانت الشبهة من الجهة المذكورة باقية ، مع أنّ الجمع بين الحكم بطهارته وحرمة لحمه يأبى عن الحمل المذكور ، لأنّ أصالة عدم التذكية إن تمّت لقضت بنجاسته أيضا ، لكون النجاسة كالحرمة من أحكام الغير المذكّى الّذي يقال له الميتة.
وتحقيق المقام : أنّ الشبهة التحريم في هذا الحيوان إن كانت ناشئة عن الشكّ في قبوله التذكية فأصالة عدم التذكية ـ على معنى عدم تحقّقها في الخارج ـ في محلّه ، لكونها حاكمة على أصالة الحلّ ، إلاّ أن يثبت أصالة قبول التذكية في الحيوان بدليل اجتهادي معتبر وارد عليها.
وإن كانت حاصلة ولو مع فرض قبوله التذكية فأصالة الحلّ والإباحة محكّمة ولا وارد
__________________
(١) المائدة : ٤.
(٢) الأنعام : ١٤٥.
(٣) الوسائل ١٧ : ٣ ، الباب ١ من أبواب الأطعمة والأشربة ، ح ٤.