والماشية فلا يتحقق الغصب فينتفي الضمان ، ولأن الأصل براءة الذمة ما لم يتحقق الشاغل لها ، ومن أنه سبب في إتلاف الولد والماشية إذ لولاه لم يتحقق التلف وإن كان لعلة (٦) اخرى ، وتردد العلامة في القواعد والتحرير والإرشاد ، ولم يرجح شيئا كالمصنف ، وظاهر فخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد ترجيح أصالة البراءة ، وفي الدروس اختار ضمان الولد إذا تبع أمه ولم يتعرض لموته جوعا ولا لحبس مالك الماشية عن حراستها بإثبات ولا نفى ، وظاهر الإهمال النفي ، ولم يفرق غيره بين الثلاث المسائل.
ولعل وجه الفرق كون السبب في اتباع الولد لأمه أقوى ، لميل الولد إلى متابعة أمه بالطبع بحيث لا يمكن الاستغناء عنها بغيرها ، بمعنى أنه لا يميل بالطبع الى غيرها كميله إليها بخلاف موته جوعا ، فإنه يمكن الاعتياض بلبن غيرها عنها ، وبخلاف حبس مالك الماشية عن حراستها ، فإنه تصرف في مالك الماشية ولم يتصرف فيها فأشبه المنع من إمساك الدابة المرسلة ، وقد أفتى جميع الأصحاب بعدم الضمان إذا منع المالك من إمساك دابته المرسلة ، فتلفت ، وترددوا في الضمان إذا حبسه عن حراسة دابته فتلفت ، وفي الفرق نظر.
قال رحمهالله : أما لو فتح رأس الظرف فقلبته الريح أو ذاب بالشمس ، ففي الضمان تردد ، ولعل الأشبه أنه لا يضمن ، لان الريح والشمس كالمباشر ، ويبطل حكم السبب.
أقول : منشأ التردد مما قاله المصنف ، ومن أن الريح والشمس لا أثر لهما في إخراج السمن من الظرف وانما أثرا في انقلابه وإذابته ، وانما خرج السمن بسبب فتح رأس الظرف الصادر عنه فكان ضامنا له ، لضعف المباشر ، إذ لو انقلب الظرف أو ذاب ورأسه مشدود لم يؤثر الانقلاب والإذابة شيئا ، فكان السبب أقوى وهو
__________________
(٦) في النسخ : بعلة.