بعض الأفاضل ، وكلمات الفصحاء والبلغاء مشحونة به ، والنكتة الّتي أشرنا إليها عامّة لجميع موارده ، ولكن قد يختصّ كلّ مورد منها بلطيفة خاصّة به سوى هذا الوجه العامّ على حسب مناسبة المقام.
ولعلّ الوجه فيه في الآية ، مضافا إلى صحّة إدراج لفظة الجلالة الّتي هي الاسم الأعظم الجامع لجميع الأسماء ؛ المحتوي على جميع خواصّها المناسبة لرتبة المخاطب ؛ الجامع لجميع كمالات الأنبياء ؛ المخصوص بمظهريّة جميع الصفات والأسماء ، المسمّى باسم «عبد الله» في اصطلاح الأولياء ، أنّ العبد لا يصدر عنه الذنب إلّا وهو غائب بزعمه عن الله ، فإنّ الغفلة عن الشيء وعدم الالتفات عنه بمنزلة الغيبة عنه ؛ وإن كان حاضرا شاهدا ، فلا يمكن صدور الذنب عن العبد المؤمن الموقن بأنّه تعالى يراه إلّا إذا التفت إلى سواه ، فاحتجب عن ربّه بمرديات هواه.
ففي الالتفات إشارة أيضا إلى أنّ المذنب كما يلتفت عن الربّ وينصرف بوجهه عنه ، كذلك الربّ يلتفت ويصرف وجهه عنه ويعرض عن محاضرته كأنّه غائب عنه ؛ كما قال : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (١) ، وقال : (نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ) (٢) حسما لجرأة العبد على مخالفة الربّ ، وإلى أنّ العبد لا يغيب عن الله وإن زعم أنّه تعالى يغيب عنه.
ولذا صحّ الخطاب من جهته تعالى إليه ، وأنّه يعفو عن ذنبه مع هذا الزعم لكمال رأفته به ، وتمام رحمته له ، قال عليه السلام : فلو اطّلع اليوم على ذنبي
__________________
(١) التوبة : ٦٧.
(٢) الجاثية : ٣٤.