مرّة (١) ، مع أنّه كان لم يزل يترقّى في كلّ آن عن درجة من العبوديّة إلى درجة فوقها ، فيرى الدرجة السابقة نقصا في خضوعه لربّه بالنسبة إلى الدرجة اللاحقة ، فيستغفر من ربّه ما فات من مراتب القرب والخضوع في الدرجة السابقة ؛ إذ كلّما زاده الخضوع رأى عظمة ربّه أكثر ممّا رآه قبل ذلك ، فيرى من نفسه التقصير في العبوديّة والتعظيم ، ألا ترى أنّ المصلّي في ركوعه يذكر الله باسمه العظيم ، وفي سجوده باسمه الأعلى؟
ف «ما تقدّم من ذنبه» كناية عن الأطوار السابقة وما تأخّر عن الدرجات اللاحقة قبل أن ينتهي إلى ما أراد منه من أعلى مدارج القرب ، وأرفع معارج الوصول إلى حضرة الربّ.
ومن المحتمل أن يكون الأوّل إشارة إلى وجوده الإبداعيّ ، والثاني إلى وجوده التكوينيّ والاختراعيّ ، فإنّ فعل الله : إمّا أن يكون مسبوقا بالمدّة والمادّة فيسمّى بالكائن.
وإمّا أن يكون غير مسبوق بشيء منهما وهو المبتدع.
وإمّا أن يكون مسبوقا بالمادّة دون المدّة. والأوّل كالعناصر والعنصريّات ، والثاني كالعقول والنفوس المجرّدة ، والثالث كالفلك والفلكيّات ، فإنّ الزمان من حركة الأفلاك.
ف «النبيّ» الأجلّ الّذي هو آدم الأوّل المخلوق على صورته عزّ وجلّ ، قد طوى من أوّل ما أبدعه جميع مراحل الوجود ؛ سوى مرحلة الأحديّة الذاتيّة إلى أن شعشع نوره آفاق عالم الشهود ، فإنّ مراحل الوجود ـ على ما حقّقه العارفون ـ خمس :
__________________
(١) إشارة إلى ما ورد في البحار ٢٥ : ٢١٠ من : إنّي لأستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرّة.