الأولى : مرتبة الأحديّة الذاتيّة الّتي لا فيها اسم ، ولا رسم ، ولا صفة ، وفيها كان الله ولم يكن معه شيء ، والآن كما كان. وهذه مرحلة الوجوب الذاتيّ ، لم يصل ولا يصل ولن يصل إليها شيء من مبدعاته وكائناته ومخترعاته ، وهو مقام الهويّة المطلقة ، وفيه اتّحدت الذات والأسماء والصفات ؛ كما قال عليه السلام : كمال التوحيد نفي الصفات عنه (١). ويسمّى هذا المقام باللاهوت ، وقد سدّ بابه على كلّ شيء دونه ، وهو غيب الغيوب ، ومقام الأحديّة المحضة ، والسرّ المستسرّ ، فلا سبيل لغيره إلى معرفته ، كما قال : ما عرفناك حقّ معرفتك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك (٢).
الثانية : مرتبة الأحديّة الجمعيّة ؛ أي الجامعة لجميع الأسماء والصفات على وجه الإجمال ؛ نظير جامعيّة كلمة الجلالة لسائر الأسماء الإلهيّة ، ونظير الأصل للفروع والبذر للثمار. وهذه مرتبة الصادر الأوّل الّذي مع كونه بسيط الحقيقة ، فيه كلّ شيء «كلّ شيء فيه معنى كلّ شيء».
فتفطّن واصرف الذهن إليّ ، وهو العقل الأوّل ، وآدم الأوّل ، وامّ الكتاب الّذي جميع الموجودات آياته الّتي فصّلت من لدن حكيم خبير ، وهو العالم الأوّل ، فإنّ العالم في اللغة اسم لما يعلم به كالخاتم لما يختم به ، فلا ينبغي
__________________
(١) إشارة إلى كلام أمير الكلام عليه السلام في نهج البلاغة : الخطبة الأولى : وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه.
(٢) هكذا جاء في البحار ٧١ : ٢٣ : قال سيّد العابدين والعارفين والشاكرين صلّى الله عليه وآله : لا أحصي ثناء عليك ، أنت ما أثنيت على نفسك ، وقال صلّى الله عليه وآله : ما عبدناك حقّ عبادتك ، وما عرفناك حقّ معرفتك.