وكيف كان ففي وصف الصراط بالاستقامة في مواضع كثيرة من القرآن إشارة إلى أنّ الطرق الّتي يطلب فيها الحقّ وإن كانت كثيرة ؛ بل لا تعدّ ولا تحصى ، إلّا أنّ المقصود المحبوب لله منها هو المستقيم المستوي الّذي يهتمّ الشيطان بصدّ العباد عنه ؛ كما قال : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) لأنّه الطريق المنتهي إلى النعيم ، وغيره من الطرق صراط الجحيم ؛ كما قال : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (٢) فالصراط المستقيم هو صراط الله ؛ كما أضافه إليه في كتابه ، وغيره صراط الشيطان ، وهمّه صرف عباد الله عن صراطه إلى صراطه.
والقول بأنّ كلّ أحد مظهر لاسم من أسماء الله ومربوب له ، وجميع الأسماء منتسب إلى ذات واحدة ، فجميع الطرق تنتهي الى الله ؛ كما قال : (إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٣) لا يقتضي انتهاء طريق الشيطان إلى الله ؛ بل الطرق الّتي هي مصاديق صراط الله المستقيم تنتهي إلى الله ، فكلّ من الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من العبادات الظاهريّة طريق إليه.
وكذلك كلّ من الأخلاق الحميدة كالعدل والجود والقناعة طريق إليه.
وكذلك كلّ من مراتب التوحيد والمعرفة طريق إليه ؛ كما أنّ كلّا من أضداد ذلك طريق إلى الشيطان فلا تغفل.
والحاصل : أنّ كلّ واحد من الخيرات نقطة من نقاط الخطّ المستقيم
__________________
(١) الأعراف : ١٦.
(٢) الصافّات : ٢٣.
(٣) الشورى : ٥٣.