وقد يقال : إنّ مقام ألهو المعبّر عنه بالهاهوت أعلى من مقام اللاهوت المأخوذ من اسم الجلالة ، فإنّ الأوّل كناية عن كنه الذات المجرّد عن جميع الاعتبارات ، وهو الّذي لا يعلم ما هو إلّا هو ، فلا سبيل في هذا المقام لإشارة ، وعبارة ، واسم ، ورسم ، ووصف ، وصفة ، وتعريف ، ومعرفة ، سوى أنّه هو ، ولا هو إلّا هو ، فإنّه مقام الهوهويّة الذاتيّة ، والثاني عن الذات باعتبار اسم الذات ، ولا مشاحّة في الاصطلاحات.
وكيف كان ، ففي هذا التعبير إشارة إلى كمال عناية الحقّ بالمؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم.
ومن المحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ هذا الإنزال لا يكون إلّا بعد غيبة المؤمن عن نفسه ، وفقده العلائق البشريّة ، وتجريده القلب عن ذكر ما سوى الربّ ، وفنائه في شهود الحقّ بحيث لا يصرفه عنه استعمال جوارحه ، ويسمّى هذا المقام بسجود القلب :
در شهود حقّ ار فنا گردى |
|
غرق درياى ما چه ما گردى |
وقد وصف الله هؤلاء المؤمنين برجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، ولعلّ في التعبير بالإنزال دون التنزيل على القول بالفرق بينهما بدلالة الثاني على التدريج دون الأوّل إشارة إلى حصول حالة السكينة دفعة ؛ إذ مادام السالك في السعي والسير لا يكون مطمئنّا بالوصول إلى المقصد الأعلى ، وهو النجاة عن حبائل الشيطان ، ومكائد النفس الأمّارة ، والفوز بالحياة الملكوتيّة ، فإذا وصل إلى هذا المقصد بحسب استعداده يحصل له القرار والسكون ، ويزول عن قلبه خوف الابتلاء بوساوس الشيطان ، وصدّه عن