ولمّا كان القلب هو الجوهر النورانيّ المجرّد الّذي به يتحقّق إنسانيّة الإنسان ، وكان بمنزلة عرش الرحمن ؛ بل عرشه حقيقة ومنظره ومحلّ رحمته ومعرفته ؛ كما قال : لا يسعني أرضي ولا سمائي ؛ بل يسعني قلب عبدي المؤمن (١). أنزل سكينته فيه وجعله بمنزلة تابوت السكينة الّذي أنزله لبني إسرائيل ، فكما أنّ سكينتهم كانت في التابوت ، كان سكينة هذه الأمّة في القلوب المصفّاة بحبّ المحبوب الّذي لا ينام ولا يموت.
وكما أنّ أولاد يعقوب عليه السلام كانوا أقوياء أعزّاء لا يغلبهم الأعداء مادام هذا التابوت فيهم ، فلمّا ذهب به العمالقة الجبّارون صاروا ضعفاء أذلّاء قتل كثيرا منهم جالوت وأسرهم وأخرجهم من بلادهم ، فكذلك أولاد يعقوب عليه السلام.
الروح الانساني وهي القوى الروحانية قويّة غالبة مادام تابوت سكينة القلب فيهم ، فإذا ذهب به منهم جنود جالوت النفس الأمّارة فهي في غاية الذلّ والمهانة ، إلّا أن يوفّقهم للتوبة والإنابة ، فيرجع إليهم السكينة في تابوت قلوبهم بمعونة طالوت العقل والنفس المطمئنّة ، فيقتل داود العلم جالوت الجهل والنفس الأمّارة ، وكما أنّ تابوت بني إسرائيل كان تحمله الملائكة ، كان قلوب المؤمنين حملتها يد الله ؛ حيث قال : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٢) وقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ).
__________________
(١) جاء هذا الحديث في البحار ٥٨ : ٣٩ هكذا : لم يسعني سمائي ولا أرضي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن.
(٢) الإسراء : ٧٠.