ويستعمل «المثل» بالكسر والسكون في هذا المعنى أيضا ، وبالعكس ، فيراد بـ «المثل» الشبيه بالآخر في صفة من الصفات ، وكيف كان فقد شبّه الله حال علماء اليهود الّذين عرفوا صفات النبيّ صلّى الله عليه وآله المبعوث عليهم من التوراة ، كما عرفوا أبناءهم ، فأنكروه تعصّبا وحسدا من أنفسهم بحال الحمار الغير المنتفع بما عليه من الأسفار ، قال الله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (١).
قال الرازيّ : اعلم أنّه تعالى بعد أن أثبت التوحيد والنبوّة وبيّن في النبوّة أنّه صلّى الله عليه وآله بعث إلى الأمّيّين ، واليهود لمّا أوردوا تلك الشبهة ، وهي أنّه صلّى الله عليه وآله بعث إلى العرب خاصّة ولم يبعث إليهم بمفهوم الآية ، أتبعه الله بضرب المثل للّذين أعرضوا عن العمل بالتوراة والإيمان بالنبيّ صلّى الله عليه وآله ، والمقصود منه أنّهم لمّا لم يعملوا بما في التوراة شبّهوا بالحمار ، لأنّهم لو عملوا بمقتضاها لا نتفعوا بها ولم يوردوا تلك الشبهة ، وذلك لأنّ فيها نعت الرسول صلّى الله عليه وآله والبشارة بمقدمه ، والدخول في دينه ، وقوله (حُمِّلُوا التَّوْراةَ) أي حمّلوا العمل بما فيها ، وكلّفوا القيام بها (٢). انتهى.
وفي الكشّاف : شبّه اليهود ـ في أنّهم حملة التوراة وقرّاؤها وحفّاظ ما فيها ، ثمّ إنّهم غير عاملين بها ولا منتفعين بآياتها ، وذلك أنّ فيها نعت رسول الله صلّى الله عليه وآله والبشارة به ولم يؤمنوا به ـ بالحمار حمل أسفارا ، أي
__________________
(١) البقرة : ٨٩.
(٢) التفسير الكبير ٣٠ : ٥.