نجوت من كلّ همّ وغمّ وأذى إلى سرور وفرح. فسكن الرجل ونشط واستسلم وغمّض عين نفسه ومضى لسبيله (١).
وبالجملة : الأخبار في هذا الباب متكاثرة متظافرة ، بل متواترة ، فيكون تمنّي الموت والتخلّص عن العلائق الجسمانيّة والأغلال والسلاسل المرتّبة على الحياة الدنيويّة من الدلائل الواضحة على محبّة الله وكمال معرفته ، ومن هنا لمّا ادعت اليهود أنّهم أحبّاء الله وأولياؤه ، وأنّ الجنّة خالصة لهم ، وأنّ الله لا يعذّبهم ، ولو عذّبهم لكان ذلك في أيّام معدودات ؛ كما أخبر الله بذلك كلّه عنهم في كتابه ردّ الله عليهم وكذّبهم في هذه السورة بما عرفته ، وفي سورة «البقرة» بقوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٢).
فإن قلت : قد ورد النهي عن تمنّي الموت ، فقد روى الشيخ في «أماليه» بإسناده عن أمّ الفضل قالت : دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله على رجل يعوده وهو شاكّ فتمنّى الموت ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا تتمنّ الموت فإنّك إن تك محسنا تزداد حسنا إلى إحسانك ، وإن تك مسيئا فتؤخّر لتستعتب (٣). انتهى.
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢٩٠.
(٢) البقرة : ٩٤ ـ ٩٦.
(٣) الأمالي ، للطّوسي : ٣٨٥.