يجد حلاوتها مع ما يجد من حبّ المال ، وكما يلتذّ المريض بنعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء ، فإذا ذكر مرارة الدواء وطعمه كدر عليه الشفاء ، كذلك أهل الدنيا يلتذّون ببهجتها وأنواع ما فيها ، فإذا ذكروا فجأة الموت كدّرها عليهم وأفسدها.
بحقّ أقول لكم ؛ إنّ كلّ الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلّا من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلّا من عمل بها.
ويلكم يا عبيد الدنيا ، نقّوا القمح وطيّبوه وأدقّوا طعمه يهنئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته.
بحقّ أقول لكم ؛ لو وجدتم سراجا يتوقّد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به فلم يمنعكم ريح قطرانه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممّن وجدتموها معه ، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.
ويلكم يا عبيد الدنيا ، لا كحلماء تعقلون ، ولا كحكماء تفقهون ، ولا كعلماء تعلمون ، ولا كعبيد أتقياء ، ولا كأحرار كرام ، توشك الدنيا أن تقلعكم من أصولكم فتقلبكم على وجوهكم ، ثمّ تكبّكم على مناخركم ، ثمّ تأخذ خطاياكم بنواصيكم حتّى تسلمكم إلى الملك الديّان عراة فرادى ؛ فيجزيكم بسوء أعمالكم.
بحقّ أقول لكم ؛ لا تدركون شرف الآخرة إلّا بترك ما تحبّون ، فلا تنتظروا