لم يفعله بغيرها من العبادات ، فقال سبحانه في محكم كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ) إلى آخره.
وفيها ضروب من التوكيد لا يقتضي الآن بسطه لكثرته ودقّة مأخذه عمّا يليق بهذا المكان ؛ لا تخفى على من له مسلك بحقائق الكلام ، وأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله بقراءة هذه السورة يوم الجمعة في سائر الصلوات ؛ خصوصا صلاة الجمعة ليبتدر السامع لهذا الأمر ، وينبعث على العمل بمقتضاه ، وأعاد التوكيد عليها في سورة «المنافقين» المأمور بقراءتها فيها أيضا.
فقال جلّ من قائل في سورة «المنافقين» بعد أن سمّى هذه الصلاة «ذكر الله» في سورة «الجمعة» وأمر بها ، ناهيا عن التهاون بها في السورة الأخرى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١).
فتأمّل كيف جمع بين الأمر بفعلها والحثّ عليه في السورة الأولى ، ثمّ شفعه بالنهي عن الاشتغال عنها ، والتهديد على تركها في السورة الثانية ، ووصف التارك لها بالخسران الّذي [وصف] به الكافرين والظالمين في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، وفي هذا كفاية للمستبصر وبلاغ للمتدبّر.
وقال : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (٢) فخصّ الصلاة الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها من بين الصلوات ، والّذي عليه المحقّقون
__________________
(١) المنافقون : ٩.
(٢) البقرة : ٢٣٨.