وفي تفسير الحقائق بعد ذكر هذه الآية : وصف الله تعالى معرفة العارفين به قبل رؤيتهم مشاهدته تعالى ، فإذا عاينوه استفادوا من رؤيته علم المعاينة وهو المعرفة الحقيقيّة خشوا منه في غيبة منه ، وهو خشية القلب ، فلمّا رأوه زاد على الخشية نصيب القلب والسرّ والخوف نصيب البدن. انتهى.
وفيه ما لا يخفى ، لما برهنّا عليه من استحالة رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة ؛ خلافا لجماعة من العامّة والصوفيّة. ويستفاد من هذه العبارة فرق آخر بين الخوف والخشية. فتفطّن.
ومن المحتمل تعلّق «بالغيب» بالفعل الخاصّ المقدّر ؛ أي يؤمنون بالغيب أو الوصف كذلك ، أي مؤمنين به ؛ كما قال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ... (١) إلى آخره. يعني بما غاب عن حواسّهم من الأمور الّتي عزمهم الإيمان بها كالبعث ، والنشور ، والحساب ، والجنّة ، والنار ، وغيرها.
والتنوين في قوله : (مَغْفِرَةٌ) للتعظيم ؛ كما في قوله : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (٢) وقول الشاعر :
له حاجب عن كلّ أمر يشينه
والمراد : العفو عن الذنوب والجرائم. والمراد بـ «الأجر الكبير» ما أعدّه الله لعباده الصالحين في الآخرة ممّا لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. أو ما كشف عنه في سورة «البيّنة» من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
__________________
(١) البقرة : ٣.
(٢) البقرة : ٧.