فيها كيف شاءوا ، وحيث شاءوا ، ومتى شاءوا ، يزرعون فيها ، ويبنون عليها ، ويسكنون فيها ، فهي كالذلول من الدوابّ لا تمتنع عن راكبها ، يوجّه بها إلى أي جهة من الجهات شاء وأراد ؛ لا كالصعبة الحزون الّتي تجمح بصاحبها ، ولا تطيعه فيما أراد ، ولا يتمكّن من إمساكها.
والأمر في (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) للإباحة والتسهيل.
وقيل : للترغيب ؛ أي فامشوا في طاعة الله. فتأمّل.
قال في الكشّاف : المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية ، لأنّ المنكبين وملتقاهما من الغارب أرقّ شيء من البعير ، وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه ، فإذا جعلها في الذلّ بحيث يمشي في مناكبها لم يترك.
وقيل : مناكبها جبالها.
قال الزجّاج : معناه سهّل لكم السلوك في جبالها ، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها ، فهو أبلغ التذليل.
وقيل : جوانبها (١). انتهى.
وقيل : المراد بمناكب الأرض : طرقها وفجاجها.
وقال بعض العارفين : إنّ الخطاب في هذه الآية للأرواح ، والمراد بالأرض : أرض القلوب ، وبمناكبها : أسرارها ، وأقطار عقولها ، وسبل أنوارها إلى عالم الغيوب ، فتأكل منها موائد المعارف ، وأثمار الكواشف.
وعن بعضهم : خلق الله الأنفس ذلولا ، فمن أذلّها بمخالفتها فقد نجّاها
__________________
(١) الكشّاف ٤ : ٥٨٠.