حقيقته حقيقة الروح الأعظم في صورته ؛ الصورة الّتي ظهر فيها الحقيقة بجميع أسمائها وصفاتها وسائر الأنبياء مظاهرها ببعض الأسماء والصفات ، تجلّت في كلّ مظهر بصفة من صفاتها إلى أن تجلّت في المظهر المحمّديّ صلّى الله عليه وآله بذاتها وجميع صفاتها ، وختم به النبوّة فكان الرسول سابقا على جميع الأنبياء من حيث الحقيقة ، متأخّرا عنهم من حيث الصورة كما قال : نحن الآخرون السابقون.
وقال صلّى الله عليه وآله : «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين» (١) وفي رواية : «بين الروح والجسد» (٢) انتهى ...
ولعلّ من فسّر الكوثر بالنبوّة أراد خصوص هذه النبوّة ، لأنّ المقام مقام الامتنان ، ولا اختصاص لمطلق النبوّة به ، وإنّما المختصّ به صلّى الله عليه وآله مقام النبوّة المطلقة الّتي باطنها الولاية الكلّيّة فافهم واغتنم وكن من الشاكرين. وإلى هذا التفسير يرجع تفسير الكوثر بعليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه ، لكونه مظهرا لمقام ولاية محمّد صلّى الله عليه وآله الكلّيّة الّتي هي العلّة الغائيّة لخلق الموجودات الإمكانيّة. ومن هنا ينكشف سرّ قوله : «لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولو لا عليّ لما خلقتك» وقد أوضحنا ذلك في كتاب الأربعين.
ومنها : العلم والعمل اللّذان هما جناحا الروح للطيران إلى معارج القدس ، والارتقاء إلى مدارج الأنس ، وهما ركنا العبوديّة الّتي هي جوهرة كنهها الربوبيّة.
__________________
(١) المناقب ، لابن شهر آشوب ١ : ٢١٤.
(٢) سنن الترمذيّ ٥ : ٥٨٥ ، كشف الوجوه الغرّ : ١٦٤ وقد سبق الخلاف في مؤلّفه فراجع.