لم يعتبر فـ «هو هو» لكن كلّ ممكن فوجوده من غيره ، وكلّما كان وجوده من غيره فخصوصيّة وجوده منه ، وذلك هو الهويّة ؛ فإذن كلّ ممكن فهويّته من غيره ، والّذي يكون هويّته لذاته فهو واجب الوجود. انتهى.
وبالجملة : لا نعرف من ذاته تعالى إلّا أنّه هو ضرورة أنّ كلّ شيء فـ «هو هو» ، فإذا قلت : إنّ الله هو هو ، فلا مجال لأحد في تكذيب هذا القول ؛ حيث لا يتوقّف تصديقه على معرفته بالكنه والحقيقة الذاتيّة معرفة تفصيليّة لم يصل إليها أحد سواه ، كيف وقد عجزت عن كنه ذاته عميقات مذاهب التفكير ، وانحسر عن إدراكه بصر البصير.
فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر كليلا |
|
أنت حيّرت ذوي اللّب وبلبلت العقولا |
كلّما أقبل فكري فيك شبرا فرّ ميلا
وقد بان من هذا البيان أنّ «هو» هو الاسم الأعظم الأعلى المطابق للواقع ونفس الأمر الّذي كلّ الأسماء عنه ومنه وإليه وبه ، ومنه وجد كلّما وجد ، وبه ظهرت هويّة كلّ شيء ، وقد (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) وكيفما كان فلفظ «هو» في هذه السورة محتمل لوجهين :
الأوّل : أن يكون اسما مضمرا ، وهذا على وجهين :
أحدهما : أن يكون راجعا إلى ما سألوا عن صفته ونسبته ، فقد ذكر عليّ بن إبراهيم القمّيّ في تفسيره أنّ سبب نزول هذه السورة أنّ اليهود جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت له : ما نسب ربّك؟ فأنزل الله هذه السورة (١).
__________________
(١) تفسير القمّيّ ٢ : ٤٤٨.