ونقل عن الرمّانيّ أنّه قال : في الأوّل ذكر العبوديّة ، فوصل ذلك بشكر النعم الّتي بها يستحقّ العبادة ، وهاهنا ذكر الحمد ، فوصله بذكر ما يستحقّ الحمد من النعم ، فليس فيه تكرار.
أقول : هذا الوجه ليس بوجيه ، لأنّه إن أراد من ذكر العبوديّة التصريح بذكرها فغير مسلّم قطعا ، بل التصريح إنّما هو هنا لقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وإن أراد من الذكر : الذكر التقديريّ ، وهو ذكر الاستعانة بالتسمية نظرا إلى أنّها عبادة ، فمسلّم ، لكنّه معارض بالحمد ، فإنّه أيضا عبادة. على أنّ الاستعانة مذكورة هنا أيضا صريحا كما في قوله : (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، فتخصيص تقابل الرحمة بالعبادة في البسملة غير وجيه. فليتأمّل.
ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالأوّل الرحمة القديمة الّتي هي من صفة الذات من دون وجود خلق يرحم بها ، وذلك هو العدالة القديمة الذاتيّة المقابلة للظلم ، وبالثاني الرحمة الحادثة الّتي حدثت بحدوث الخلق ، فلذا تليها لقوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) ليدلّ أنّه تعالى هو العدل الّذي وسعت رحمته كلّ شيء ، بسبب تربيته للجميع بقدر القابليّة.