.................................................................................................
______________________________________________________
وهل المقام داخل في باب التعارض أو التزاحم؟
الظاهر : أنّه لا ينبغي التأمّل في الأوّل ، لانطباق ضابطه عليه دون الثاني ، فإنّ المناط في التزاحم على ما نقّحناه مفصّلاً في الأُصول (١) عدم قدرة المكلّف على الجمع بين التكليفين في مقام الامتثال من غير تنافٍ بين نفس الحكمين في مرحلة الجعل ، كإزالة النجاسة عن المسجد وأداء الصلاة في ضيق الوقت ، فإنّ كلّاً منهما حكم متعلّق بموضوعه المقدّر وجوده ، وهو البالغ العاقل القادر ، غاية الأمر أنّ المكلّف ليست له إلّا قدرة واحدة لو صرفها في كلٍّ منهما عجز عن امتثال الآخر.
وهذا بخلاف التعارض ، فإنّ مناطه التعاند والتكاذب بين الدليلين في مرحلة الجعل مع قطع النظر عن مقام الامتثال إمّا ذاتاً ، كما لو دلّ دليل على نجاسة العصير العنبي ودليل آخر على طهارته أو عدم نجاسته ، فإنّ النجاسة وعدمها أو هي مع الطهارة متناقضان أو متضادّان لا يعقل اجتماعهما في حدّ أنفسهما.
أو عرضاً نشأ من العلم الإجمالي الحاصل من الخارج ، كما لو دلّ دليلٌ على وجوب القصر في موردٍ ودليلٌ آخر على التمام أو على الظهر ، والآخر على الجمعة ، فإنّه وإن لم يكن أيّ تنافٍ بين نفس الدليلين بالذات لجواز ثبوتهما معاً ، إلّا أنّ القطع الخارجي القائم على عدم وجوب الصلاتين معاً في يومٍ واحد أوجب العلم الإجمالي بكذب أحد الدليلين ، بحيث إنّ صدق كلّ منهما يستلزم كذب الآخر ، نظير البيّنتين القائمتين في الشبهات الموضوعيّة على طهارة الإناءين المعلوم نجاسة أحدهما إجمالاً ، فالفرق بين البابين واضحٌ جدّاً.
ومن المعلوم انطباق هذا الضابط على المقام دون السابق ، لوضوح قدرة المكلّف على الجمع بين النصابين كما في الجمع بين القصر والتمام مثلاً فليس
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٢٠٦.