لا يوجس خيفة ، ولا يشعر بوجَل من عمله ، بل هو فعل من قد هيّأ نفسه لكل الاخطار المحتملة ، واستعد لكل النتائج مهما كانت خطيرة.
بل الأعجبُ من هذا كله دراسة وضع « إبراهيم » نفسه حينما كان في المنجنيق وقد تيقّن أنه سيكون وسط ألسنة اللهب بعد هنيئة ، وتلتهمه النار المستعرة تلك النار الّتي جمع اهل « بابل » لها الحطب الكثير تقرباً إلى آلهتهم ، وكانوا يعتبرون ذلك العمل واجباً مقدساً ... تلك النار الّتي كان لهيبا من القوة بحيث ما كانت الطيور تستطيع من التحليق على مقربة منها.
في هذه اللحظة الخطيرة الحساسة جاءه جبرئيل واعلن عن استعداده لانقاذه وتخليصه من تلك المهلكة الرهيبة قائلا له : هل لك إليّ من حاجة؟
فقال « إبراهيم » : أما إليك فلا ، وأما إلى ربِّ العالمين فنعم (١).
ان هذا الجواب يجسِّدُ ايمان « إبراهيم » العظيم ، وروحه الكبرى.
لقد كان « نمرود » الّذي جلس يراقب تلك النار من عدة فراسخ ، ينتظر بفارغ الصبر لحظة الانتقام ، وكان يحب ان يرى كيف تلتهم ألسنة النار « إبراهيم ». فما أرهب تلك اللحظات!
لقد اشتغل المنجنيقُ ، وبهزّة واحِدة اُلقي بإبراهيم عليهالسلام في وسط النار غير أَن مشيئة اللّه ، وارادته النافذة تدخلت فوراً لتخلص خليل اللّه ونبيه العظيم ، فحوّلت تلك النّار المحرقة الّتي أوقدتها يَدُ البشر إلى روضة خضراء وجنينة زاهرة ادهشت الجميع حتّى أَنَّ « إبراهيم » التفت إلى « آزر » وقال ـ من دون ارادته ـ : « يا آزر ما اكرم إبراهيم على ربّه » (٢).
إن انقلاب تلك النّار الهائلة إلى روضة خضراء لإبراهيم قد تمّ بأمر اللّه المسبب للإسباب والمعطل لها متى شاء ، المعطي لها آثارها ، والسالب عنها ذلك ، متى اراد.
__________________
١ ـ عيون أخبار الرضا : ص ١٣٦ ، وأمالي الصدوق : ص ٢٧٤ ، وبحار الأنوار : ج ١٢ ، ص ٣٥.
٢ ـ تفسير البرهان : ج ٣ ، ص ٦٤.