العلامة المغربي « ابن خلدون » (١) فقد أسس في مقدمته المعروفة باسم مقدمة ابن خلدون نمَط التاريخ التحليلي بنحو من الانحاء.
وأما الطائفة الثانية من تلك الكتب فهي وإن اُلفت على نمط التاريخ التحليلي واتسمت بصفة التحقيق والدراسة ولكن حيث ان بعضهم لم يتجشم عناء التتبع والاستقصاء ، أو أنه اعتمد في تحليله للحوادث على المصادر غير المتقنة وغير الصحيحة ، فقد تورط في أخطاء فضيعة محيّرة ، وأكثر مؤلفات المستشرقين ـ الّتي لم تكتَب في الأغلب بهدف التوصل إلى الحقيقة ـ من هذا النمط ، ومن هذه القماشة.
ولقد دأَب في هذه الدراسة ـ بعد ملاحظة هذه الاشكالات ـ على ان يقدم إلى القراء جهد امكانه كتاباً يخلو عن عيوب ونقائص كلتا الطائفتين.
مزايا هذا الكتاب :
قد لا يكون من الضروري بيان مزايا هذا الكتاب ، واستعراض امتيازاته في مقدمته ، فذلك أمرٌ ينبغي أن يقف عليه القارئ الكريم بنفسه ضمن مطالعته لهذه الدراسة ، إلاّ انه إلفاتاً لنظر القارئ نشير إلى مزيتين هامتين هما :
أولاً : أنّنا عمدنا ـ في هذا الكتاب ـ إلى تناول وبيان الحوادث والوقائع المهمة الّتي تنطوي على قَدَر ، اكبر من الفائدة ، والعبرة ، وأعرضنا صفحاً عن ذكر الاحداث الجزئية ، والوقائع الصغيرة مثل الكثير من السرايا.
ثم أننا أخذنا الحوادث التاريخية هذه من المصادر الأصلية ، والأولية ، الّتي دُوِّنت في القرون الإسلامية المشرقة الاولى ، فقد استخلصنا الحادثة من مجموعة تلك المصادر ، ثم أشرنا إلى مصدر أو مصدرين من المصادر الّتي ذكرت الحادثة
__________________
١ ـ هو القاضي عبد الرحمان بن محمَّد الحضرمي المالكي المتوفى عام ٨٠٨ هـ ، ومقدمته وتاريخه ـ على ما فيهما من أخطاء فضيعة في التحليل ـ معدودان من الكتب الجيدة المفيدة ، وهما مبتكران في نوعهما.