فهو بعد ذكر تلك القصة سرد آيات سورة الفيل ، ومع أنه اتى بقول اللّه تعالى « وأرسل عليهم طيراً أبابيل » قال عن هلاك جنود أبرهة : « ولَعلّ جراثيم الوباء جاءت مع الريح من ناحية البحر ، وأصابت العدوى أبرهة نفسه » (١) فاذا كان الّذي جاء بهذا الميكروب هو الريح ، فلماذا حلّقت طيورُ الأبابيل على رؤوس جيش أبرهة ، والقت بالأَحجار الصغيرة على رؤوسهم ودون غيرهم ، وأي أثر كان لهذه الاحجار في هلاك أُولئك الجنود وموتهم؟
فالحق هو : أن لا يُتبعَ هذا النمط من التفكير ، وأن لا نسعى لتفسير معجزات الأَنبياء ـ الكبرى بمثل هذه التأويلات والتفسيرات ، بل إن طريق المعجزات والإعجاز أساساً يختلف عن طريق العلوم الطبيعية الّتي تتحدد دائرتها بمعرفة العلاقات العادية بين الظواهر الطبيعية ، ولهذا يجب علينا أن لا نعمد ـ ارضاء لهوى جماعة ممّن لا يمتلكون أية معلومات دينية ، وليست لديهم أية معرفة بهذا النوع من القضايا ـ إلى التنازع عن أُسُسنا الدينية المسلّمة ، في حين لا توجد أية حاجة مُلزمة إلى مثل ذلك التنازل والاعتذار!
نقطتان هامّتان :
وهنا لابد من أن نذكّر بنقطتين هنا :
الاُولى : يجب ان لا يظن أحدٌ ـ خطأ ـ أننا بما قلناه هنا نريد تصحيح كل ما تلوكه ألسنُ الناس ، وتنسبه إلى الانبياء العظام ، أو إلى عباد اللّه الكرام ، من دون أن يكون له أي سند صحيح أو وجه معقول بل وربما اتَّسَمْ بطابع الخرافة في بعض الاحيان والموارد.
بل مقصودنا هو : أن نثبت ـ وطبقاً للمصادر الصحيحة والقطعية المتوفرة ـ ان الأنبياء كانوا يقومون ـ لا ثبات ارتباطهم بما وراء هذه الطبيعة ـ بأعمال خارقة للعادة ، خارجة عن الناموس الطبيعيّ المألوف ، تعجز العلومُ الطبيعية الرائجة عن
__________________
١ ـ حياة محمَّد لمحمَّد حسين هيكل : ص ١٠٢ و ١٠٣.