ترى لو أننا فسَّرنا طرفاً من هذه الحادثة العظيمة والعجيبة بالعوامل الغيبية ، وبارادة اللّه النافذة فهل تبقى مع ذلك أية حاجة إلى أن نفسّر جانباً من هذه الحادثة بتفسير طبيعي مألوف ، ونركض وراء التوجيهات الباردة ، لنجعلها امراً مقبولا.
٢ ـ إنَّ الكائنات الدقيقة ، أوما يسمى الآن ب « الميكروب » لا شك انها عدوة لمطلق الإنسان ، وليس بصديقة لهذا أو ذاك ، ومع ذلك كيف توجهت إلى جنود « ابرهة » وقتلتهم دون غيرهم ، وكيف نسيت المكيّين بالمرة؟!
انَّ التاريخ المدوَّنْ يثبت لنا أن جميع الضحايا في هذه الواقعة العظيمة كانوا من جند « ابرهة » ولم يلحق فيها : أيّ أذى ـ إطلاقاً ـ بقريش ، وغيرهم من سُكان الجزيرة العربية ، في حين أن الحصبة والجُدَريِّ من الأمراض المعدية ، الّتي تنقلها العوامل الطبيعية كالرياح وغيرها من منطقة إلى اُخرى ، ورُبَما تُهلِك اهل قطر باجمعهم.
فهَل مع هذا يمكن أن نعدّ هذه الحادثة حدثاً طبيعياً عادياً؟!
٣ ـ ان اختلاف هذا الفريق في تحديد نوعية الميكروب ، يضفي على هذا الادعاء مزيداً من الإبهام ، ويجعله اقرب الى البطلان.
فتارة يقولون : انَّه ميكروب الوباء وتارةً اُخرى يقولون : انَّه داء الحصبة والجدري ، في حين اننا لم نجد مستنداً صحيحاً لهذا الخلاف ، ومبرراً وجيهاً لهذا الاختلاف ، اللّهمَ إلاّ ما احتمله « عكرمة » من بين المفسرين ، وعكرمة هو نفسه موضع نقاش بين العلماء والاّ لما ذهب « ابن الاثير ». من بين المؤرخين وارباب السير إلى ذكر هذا الرأي في صورة الاحتمال الضعيف ، والقيل ، ثم عاد فردّ هذا القول فوراً (١).
والأعجب من الجميع ما أعطاه مؤلف كتاب « حياة محمَّد » الدكتور هيكل وزير المعارف المصري السابق من تفسير ، عند ذكر قصة الفيل.
__________________
١ ـ الكامل : ج ١ ، ص ٢٦٣.