الصورة لم يقع أي شيء على خلاف العادة ، والمألوف ليدل على مزية في الانبياء.
فان مثل هذه الظاهرة الّتي يكون لها علةٌ عاديةٌ يعرفها جميعُ الناس ، أو سببٌ علمي خاصٌ يعرفها علماء ومتخصصوا ذلك العلم يمكن أن يقوم بايجاد أمثالها جميعُ الناس ، فلا يكون حينئذ معجزة.
ولا يعني هذا ـ وكما اسلفنا ـ أَنَّ المعجزة لا تنتهي إلى أية علة ، اصلا ، بل هي تستند إلى علة غير متعارفة وغير عادية ، ولمزيد التوضيح سنبحث في هذا المجال عند الاجابة على السؤال الثالث.
ويُقصَد من الشرط الثاني ( أي كون الاعجاز مقروناً بالدعوى ) أن يَدّعي صاحبُ المعجزة النبوة والسفارة من جانب اللّه تعالى ، ويأتي بالمعجزة دليلا على صحة دعواه هذه ، إذ في غير هذه الصورة لا يكون الأمرُ الخارق للعادة معجزةً بل يُطلَق عليه في الاصطلاح الديني لفظ « الكرامة » كما كان لمريم بنت عمران الّتي كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً فاذا سألها من أين لها ذلك؟
قالت : هو من عند اللّه (١).
ويعني الشرطُ الثالثُ أن يكون الاعجاز مقروناً بدعوة الناس إلى الإتيان بمثله ، وعجز الناس عن هذه المعارضة ، وعدم قدرتهم على الاتيان بمثله مطلقاً إذ في هذه الصورة يتضح أَنَّ النبي يعتمد على قوة الهية غير متناهية ، قوة خارجة عن حوزة البشر العادي.
واما الشرط الرابع فيعني أن الامر الخارق للعادة إنّما يكون عملا إعجازياً ، ويستحق وصف المعجزة الدالّة على ارتباط الآتي بها بالمقام الالهيّ ، إذا وافق الامرُ الواقعُ ما يدعي أنه قادر على الأتيان به.
فلو قال : سأجعلُ هذا البئر الجاف الفارغ من الماء ، يفيض بالماء باشارة اعجازية ، ثم يقع ما قاله كان هذا الأمر معجزة حقاً ، وأما إذا قال : سأجعل هذا
__________________
١ ـ راجع سورة آل عمران : ٣٧.