والاتيان بمثل معاجزهم لو قدروا ، واستطاعوا.
فهذا هو القرآن الكريم ينادي بأعلى صوته على مر العصور : « قُل لَئنْ اجْتَمَعت الإنسُ والجنّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمثْلِ هذا الْقُرآنِ لا يأتُونَ بِمثْلِه وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهيْراً » (١).
وذلك لأنَ أفعال السَحرة الخارقة مما كانت فانها تستند إلى الطاقة البشرية المحدودة ، ولا تتجاوزها بينما يعتمد الانبياء والرسل العنصر الغيبي ، والإرادة الآلهية.
٤ ـ إن أفعال السحرة والمرتاضين الخارقة للعادة اُمور محدودة ومقتصرةٌ على ما تعلَّموها وتمرنوا عليها ، بينما لا تكون معاجز الأنبياء والرسل مقتصرة على اُمور خاصة ، فهم لا يعجزون عن الاتيان بكل ما يطلبه الناس منهم ، طبعاً حسب شرائط خاصة مذكورة في محلها في أبحاث الاعجاز (٢).
فتلك معاجز موسى المتعددة الابتدائية ، والمقترحة ، ومعاجز المسيح عليهالسلام المتنوعة خير مثال على هذا الأمر.
٥ ـ إن اصحاب المعاجز يقصدون من معاجزهم دائماً دعوة الناس إلى أهداف إنسانية عالية وغايات الهية سامية وبالتالي هداية المجتمع البشري إلى المبدأ والمعاد ، والأخلاق الفاضلة فيما لا يهدفُ المرتاضون والسحَرة إلا تحقيق مآرب دنيوية حقيرة ، ونيل مكاسب مادية رخيصة.
هذا مضافاً إلى أن الأَنبياء والرسل أنفسهم يختلفون عن السحرة والمرتاضين
____________
١ ـ الاسراء : ٨٨.
٢ ـ مثل أن لا يكون ما يطلبه الناس محالا عقلياً كرؤية اللّه ، ومثل أن لا يكون ما سيأتي لهم به دليلا على ارتباطه بالمقام الربوبي ، كما لو طلبوا منه أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب وبيتٌ من ذهب ، لأنّ هذه الاُمور لا تكون دليلا على النبوّة إذ نلاحظ أنّ كثيراً مِنَ الناس يملكون هذه وليسوا مع ذلك بأنبياء.
وأن لا يكون المقترحون من ذوي اللجاج والعناد الذين لا يقصدون من طلب المعاجز إلا الهزل والاستهزاء والتنزّه. وأن لا تكون نتيجة المعجزة هلاكهم كما لو طلبوا ان يُنزِّل عليهم ناراً من السماء تحرقهم لأن في ذلك نقضاً للغرض.