كل من يريد دخول مكة للحج أو العمرة أن لا يصطحب معه طعاماً من خارج الحرم ، ولا يأكل منه ، بل عليه أن يقتني من طعام أهل الحرم ، ويأكل منه ، وأن يلبس عند الطواف بالبيت من ثياب أهل مكة التقليدية القومية ، أو يطوف عرياناً بالكعبة إن لم يكن في مقدوره شراؤها واقتناؤها ، ومَن كان يَرفُض الخضوع لهذا الأمر ، مِن رؤساء القبائل وزعمائها ، كان عليه أن ينزع ثيابه ـ بعد انتهائه من الطواف ـ ويلقيها جانباً ، ولا يحق لأحد ان يمسها أبداً لا صاحبها ولا غيره (١).
اما النساء فكان يجب عليهن إذا أردنَ الطواف أن يُطفنَ عراة على كل حال ، وان يضعن خرقة على رؤوسهن وَيُردِّدنَ البيت التالي في اثناء الطواف :
اليوم يبدو بعضُه أو كُلّه |
|
وبعدَ هذا اليوم لا اُحِلُّه |
ثم إنه لم يكن يحق لأيّ يهودي أو مسيحي ـ بعد هزيمة « ابرهة » الّذي كان هو أيضاً مسيحياً ـ أن يدخل مكة إلاّ أن يكون أجيراً لمكيٍّ ، وحتّى في هذه الصورة كان يجب عليه أن لا يتحدّث في شيء من أمر دينه ومن أمر كتابه.
لقد بلغت النخوةُ والعصبية بقريش حداً جعلتهم يتركون بعض مناسك الحج الّتي كان يجب الإتيان بها خارج الحرم!!
لقد أنفوا منذ ذلك اليوم أن يأتوا بمناسك عرفة (٢) كما يفعل بقية الناس فتركوا الوقوف بعرفة ، والافاضة منها مع أن آباءهم ( من ولد إسماعيل ) كانوا يُقّرون أنها من المشاعر والحج ، وكانت هيبة قريش وعظمتها الظاهرية رهنٌ ـ برمتها ـ بوجود الكعبة بين ظهرانيها ، وبوظائف الحج ومناسكه هذه ، إذ كان يجب على الناس في كل عام أن يأتوا إلى هذا الوادي الخالي عن الزرع وهذه الصحراء اليابسة لأداء المناسك ، إذ لو لَم يكن في هذه النقطة من الأَرض أىُ مطاف أو مشعر لما رغب احد حتّى في العبور بها فضلا عن المكث فيها عدة ايام وليال.
__________________
١ ـ وكانت تسمّى عندهم « اللّقى ».
٢ ـ الكامل في التاريخ : ج ١ ، ص ٢٦٦.