بمشقة اصطحاب « محمَّد » في تلك الرحلة (١).
لقد كانت سفرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الّتي قام بها بصحبة عمّه وكافله « ابي طالب » في الثانية عشرة من عمره ، من اجمل وأطرف اسفاره صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم عَبر فيها على : « مَديَن » و « وادي القرى » و « ديار ثمود » واطّلع على مشاهد الشام الطبيعية الجميلة.
ولم تكن قافلة قريش التجارية قد وَصلت إلى مقصدها حتّى حدثت في منطقة تدعى « بصرى » قضية غيرت برنامج « ابي طالب » وتسببت في عدوله عن المضي به في تلك الرحلة والقفول إلى مكة.
واليك فيما يلي مجمل هذه القضية :
كان يسكن في « بصرى » من نواحي الشام راهبٌ مسيحي يدعى « بحيرا » يتعبّد في صومعته ، يحترمه النصارى في تلك الديار.
وكانت القوافل التجارية إذا مرت على صومعته توقفت عندها بعض الوقت وتبركت بالحضور عنده.
وقد اتفق أن التقى هذا الراهبُ قافلة قريش الّتي كان فيها رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم فلفت نظره شخصيةُ « محمَّد » ، وراح يحدق في ملامحه ، وكانت نظراته هذه تحمل سراً عميقاً ينطوي عليه قلبه منذ زمن بعيد وبعد دقائق من
__________________
١ ـ ويذكر « أبو طالب » في ابيات له قصّة هذه السفرة وما جرى فيها من البدء إلى الختام نقتطف منها بعض الأبيات :
إنَّ ابنَ آمِنة النبي محمَّداً |
|
عِندي يفوقُ منازل الأولاد |
لما تعَلّق بالزمام رحمتُه |
|
والعيسُ قد قلَّصْنَ بالازواد |
فَارفضَّ من عينيّ دمع ذارفٌ |
|
مثل الجمان مُفرّق الأفراد |
راعيتُ فيه قرابة موصولة |
|
وحفَظت فيه وصية الأجداد |
وأمرتُه بالسير بين عمومة |
|
بيض الوجوه مصالت أنجاد |
حتّى إذا ما القومُ بُصرى عاينوا |
|
لاقوا على شرك من المرصاد |
حبراً فاخبرهم حديثاً صادقاً |
|
عنه وردّ معاشر الحُسّاد |
( تاريخ ابن عساكر : ج ١ ، ص ٢٦٩ ـ ٢٧٢ وديوان ابي طالب : ص ٣٣ ـ ٣٥ ).