يتجاوز عددهم الواحد والثمانين ، وهذا يعني أنه لم يوفق في كل اثنى عشر عاماً الا لهداية شخص واحد.
إنَّ إرادة الصبر ، وقوَّة التحمّل ، والتصبر تظهر لدى الإنسان شيئاً فشيئاً ، فلابدّ أن تتلاحق حوادثٌ صعبةٌ ، ولابد أن يمرَّ المرء بنوائب مزعجة حتّى تأنس روحُه بالامور الثقيلة ، والقضايا الصعبة.
لقد قضى رسولُ صلىاللهعليهوآلهوسلم شطراً من حياته قبل البعثة في رعي الغنم في الصحاري والقفار ، ليكون بذلك صبوراً في تربية الناس الذين سيكلَّف بقيادتهم وهدايتهم ، وليستسهل كل صعب في هذا المجال.
إن ادارة المجتمع البشريّ من أصعب الأمور الّتي تواجه القادة ، ورجال الاصلاح. والمقدرة على الإدارة هذه لا تسنح ولا تتهيَّأ لأَحد إلاّ بعد مزاولة الاُمور الصعبة ، وممارسة الأعمال الشاقة ، وربما يكون قيام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم برعي الغنم من هذا الباب ، ولهذا جاء في الحديث.
« ما بَعثَ اللّهُ نَبيِّاً قَطُّ حَتّى يَسْتَرْعيْه الغَنم ليُعلّمهُ بذلِكَ رعْيَةَ النّاسِ » (١).
لقد قضى النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم شطراً من عمره الشريف في هذا المجال ، وينقل كثيرٌ من ارباب السير والمؤرخين هذه العبارة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
« ما مِنْ نَبيّ إلاّ وَقَدْ رَعى الغَنم » قِيْلَ : وَأَنتَ يا رَسُول اللّه؟
فقال : « أنا رَعيْتُها لأَهْل مَكَّة بِالقَراريْطِ » (٢).
إنَ شخصية عظيمة يُفتَرضُ فيها أن تواجه ـ في المستقبل ـ أشخاصاً عنودين كأبي جهل وابي لهب ، وأن تصنع ممن انحطت أفكارهم حتّى أنهم سجدوا لكل حَجر ومَدر ، أفراداً لا يخضعون لأي شيء سوى ارادة الحق ومشيئته ، لابدَّ أن تتسلح قبل ذلك بسلاح الصبر ، وتتجهز بأداة التحمل ، وتتزود مسبقاً بقدرة الاستقامة على طريق الهدف ، وهذا لا يكون إلاّ بتعويد النفس على هذه
__________________
١ ـ سفينة البحار : مادّة نبأ.
٢ ـ السيرة النبوية لابن هشام : ج ١ ، ص ١٦٦.