« خديجة » سلام اللّه عليها وهبت كل ثروتها للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لينفقها في نشر الإسلام ، وإعلاء كلمة الحق ، وإرساء قواعد التوحيد ، وبث الدين الجديد ، واصبحت تلك الدار المفخمة الّتي كانت تزينها الكراسي المرصّعة ، والستر المطرّرزة ، المصنوعة من أغلى الأقمشة الهندية ، والإيرانية ، ملجأ للمسلمين ، وملتقى لانصار الرسالة؟!!
لابدَّ من البحث عن جذور هذه الحوادث في تاريخ حياة « خديجة » نفسها ، فان من المسلَّم والبديهيّ أن هذا النوع من الفداء ، والتفاني والإيثار لم يكن ثابتاً ليتحقق ما لم يكن لها جذور معنوية وطاهرة.
إن صفحات التاريخ لتشهد بأنّ هذا الزواج كان ناشئاً من إيمان « خديجة » بتقوى عزيز قريش وفتاها الامين « محمَّد » وطهره ، وحبها الشديد لعفته وكرم أخلاقه ، ولهذا قال النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم في حقها :
« أفضل نساء الجنة أربع : خديجة ... » (١).
إنها أول إمرأة آمنَتْ برسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقد قال علي أمير المؤمنين عليهالسلام : في خطبته الّتي يشير فيها إلى غربة الإسلام في مبدأ البعثة النبوية الشريفة :
« لَمْ يَجمَعْ بَيْتٌ واحِدٌ يَوْمَئذ في الإسْلام غَيرَ رَسُول اللّه وَخَديجَة وأَنا ثالِثُهما » (٢).
ويكتب « إبن الأثير » قائلا : إنّ عفيف الكندي كان إمرأً تاجراً قدم مكة أيام الحج فرأى رجلا قام تجاه الكعبة يصلّي ثم خرجت امراةٌ تصلّي معه ، ثم خرج غلامٌ فقام يصلي معه ، فمضى يسأل العباسَ عمَّ النبيّ عن هؤلاء ، وعن هذا الدين ، فقال العباس :
__________________
١ ـ خصال الصدوق : ج ١ ، ص ٩٦ وغيره.
٢ ـ الكامل : ج ٢ ، ص ٣٧ ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي الشافعي : ج ١٣ ، ص ١٩٧ ـ ٢٠١.